الحلقة 480: الأدباء للوطن والصحافيون للسياسة
(الأربعاء 15 آذار 2006)
جاءتني أمس صبيّة صحافية تستفتيني في موضوع الحوار الوطني الذي جرت دورتُهُ الأُولى الأسبوع الماضي، وتجري دورتُهُ الثانية هذا الأُسبوع. سألتُها عن أية صفةٍ بي جاءت تستفتيني: أبكوني صحافياً أم أديباً؟ فأجابت أنها تكتب لمجلتها استفتاءً مع الأدباء والمثقفين حول طاولة الحوار الوطني المنعقدة في حرم مجلس النواب.
وكان جوابي لها اعتذاراً واضحاً وموجَزاً أُعيدُه لأن فيه قناعتي سواءٌ في كتاباتي الصحافية أو تعليقاتي الإذاعية، وهو أنّ الصحافي قدَرُهُ أن يتابعَ الحدث ويكتبَ عن الحدث ويعلّقَ على الحدث، وهذا دورُهُ الرئيس وإلاّ فلا دورَ له. أما الأديب، شاعراً أو كاتباً، فليس من شأنه إدخالُ أدبه في الحدث العابر أو الوضع السياسي الراهن أو العقدة السياسية الزائلة، لأن من شأن نصِّه الأدبي أن يبقى في مؤلفاته صالحاً ليُقرأ في أيّ وقت لاحق، بينما التعليقُ الصحافي أو الإذاعي يذهب مع ذهاب الحدث السياسي أو زوال الوضع السياسي أو انحلال العقدة السياسية.
هذا هو الفارق بين الصحافي والأديب. جبران الذي تعاطى في زمانه بشؤون لبنان، لم يتعاطَ بها كصحافي يعلق أو يحلل راهناً أو عابراً أو زائلاً، بل كأديبٍ ينظر إلى الوطن كثابت دائم، وكتب عنه نصوصاً لا تزال حتى اليوم يُعادُ إليها في الملمّات والأزمات نوراً هادياً لِمن يحتاجون النور كي يعبروا نفق العتمة.
ومثلُه الريحاني ومثلُه الأدباء المصلحون الذين لم ينْزلقوا إلى الكتابة في الأمور الراهنة الزائلة العابرة، بل ظلوا يتعاطون مع الوطن كحالة، لا مع الوضع كحدث. وهذا ما أسقط من الذاكرة نصوصاً كثيرةً آنيّةً للأدباء، ولم يبق من كتاباتهم إلاّ توجُّهُهُم إلى الأدب كحالة، ولم تذهب مع الآني كحدث.
فلْندعِ السياسة للسياسيين، هذا شأْنُهم وهذا دورهم الطبيعيّ في لبنان السياسة. ولْنتركِ الصحافة للصحافيين يتابعون ويعلّقون، هذا شأْنُهم وهذا دورُهم الشريف في لبنان الحدث. ولْيدَعِ الأدباء الزوائل والعوابر ولْيُبْقُوا على توجُّههم إلى لبنان الوطن، هذا شأنُهم وهذا دورهم الخالد في لبنان الحالة الدائمة التي تبقى بعد سقوط الزوائل والعوابر.