الحلقة 470: الانتماء أولاً والبقية تأتي
(الأربعاء 8 شباط 2006)
أبعدَ من العودة إلى ما جرى الأحد الماضي، وهو بات في ملفات المعالجة، وأَبعدَ من الدخول في لقاءاتٍ واجتماعاتٍ وتحالفاتٍ نشأت وتنشأُ من هذا الصف أو ذاك، وأبعدَ من اتخاذ موقفٍ مع هذا الاصطفاف أو ضدَّ ذاك، وجميعُها آنيةٌ ظرفيةٌ مناسباتيةٌ تَحكمها تحالفاتٌ لظرف أو مناسبة، وعشية الذكرى الأُولى للزلزال في 14 شباط وما يتهيَّأُ لهذه الذكرى الجريحة من تظاهراتٍ شعبية تضامنية، تبقى النقطة الأساسية وراء كل هذه وتلك من المناسبات، وهذا وذاك وذيالك من اللقاءات.
النقطة الأساسية هي واحدة: الانتماء إلى لبنان اللبناني. والأساس في هذه النقطة الأساسية: ترسيخُ هذا الانتماء في أذهان أبناء الجيل الجديد، المصطفّين هنا وهناك وهنالك، خلف هذا القائد أو ذاك الزعيم أو ذلك السياسي، حتى بات في أذهان أبنائنا أن الوطن ينتمي إلى هذا القائد أو ذاك الزعيم أو ذلك السياسي، ولم يعُد في أذهانهم الانتماء إلى لبنان اللبناني أولاً فوق هذا القائد أو ذاك الزعيم أو ذلك السياسي.
أبناؤُنا من الجيل الجديد يغيب عن أذهانهم أنَّ السياسيين ينتمون إلى الوطن، وأنّ السياسيين خدّامُ الوطن وأبنائه، والقائدَ السياسيَّ الحقيقيّ هو الذي يدعو مناصريه لا للانتماء إليه بل إلى الوطن، وأنّ مقدار صدقية السياسيّ هو في دعوةِ مناصريه إلى العمل لخدمة الوطن لا لخدمته هو كسياسي، ودعوتِهم إلى الاصطفاف صفاً واحداً لنصرة الوطن، لا الاصطفاف وراءه هو كسياسي وضدّ خصمه السياسي الآخَر.
ذات يوم طلب الجنرال ديغول نسبةً معيّنة من شعبه ليواصل خدمتَه فرنسا، وحين لم ينل تلك النسبة، غادر قصر الإليزيه وانصرف إلى بيته في “الكولومبيه ديدوزغليز”. كان رئيسَ فرنسا وقائدَها ومنقذَها، وظلَّ وهو في بيته قائدَ فرنسا الخالد ومنقذَها التاريخي.
الانتماء إلى الوطن لا إلى أي سياسي من الوطن. هذه هي المعادلة المفقودة اليوم في لبنان، والتي لن يوجدَها خطابٌ سياسيٌّ أو تصريحٌ حزبي أو إعلانٌ انتخابي، طالما شعبنا لا يزال يصطفُّ خلف الشخص، ولا يصطف تحت سماء الوطن.