الحلقة 450: الاستقلال لم يبدأ عام 43
(الأربعاء 23 تشرين الثاني 2005)
المدارس التي احتفلت أول أمس الاثنين بعشية الاستقلال، مقدمةً لتلامذتها لوحاتٍ من حكاية استقلال 1943، والشاشات التي تابع منها تلامذتنا أمس الثلثاء العرض العسكري الرائع في ساحة الشهداء، يظل تقديمها (المدارس والشاشات) ناقصاً في اكتفائها بالعودة إلى 1943 فقط، مع كل الإجلال للحركات التحررية الاستقلالية النضالية التي أدت إلى خروج أركان الحكم من قلعة راشيا نهار 22 تشرين الثاني 1943 وتكريسِ ذاك النهار عيدَ استقلال لبنان.
لماذا التقديم ناقص؟ لأن المطلوب لتلامذتنا متابعي احتفالاتهم المدرسية والعرض التلفزيوني، أن يعرفوا أكثر عن لبنان فلا يُعجَبوا بعرض عسكري فقط ولا يتعلموا حكاية قلعة راشيا فقط بل ليُحبّوا لبنان فيكبروا يدافعون عنه لا انقياداً وراء موجة أو تيار سياسي، بل قناعةً عميقةً بدوره في التاريخ وفي العالم، وحماسةً إيمانيةً لضرورة الحفاظ على هذا الدور اللبناني في العالم.
كيف يكون ذلك؟ بتعريف تلامذتنا إلى عراقة لبنان بواحاته التي كانت ولا تزال حتى اليوم مرجعاً عالمياً لحضارة العالم، بتعريف تلامذتنا إلى أهمية صور وصيدا وجبيل وطرابلس وبعلبك وبيروت وقانا وسواها من الواحات اللبنانية، لا من الوجهة السياحية الأفقية وحسب، بل من حيث دورُها العمودي في التاريخ على مُختلف المستويات الحضارية والثقافية والإبداعية والعسكرية والسياسية والاقتصادية. عندها لا يعود تلامذتنا يعيّدون استقلال لبنان مكتفين بالعودة إلى 22 تشرين الثاني 1943 بل إلى رسالة لبنان الحضارية فيعرفون أن لبنانَهم ليس وطناً عمر استقلاله اثنتان وستون سنةً وحسب، بل هو وطن غير عادي كان له منذ فجر التاريخ أن يَخُطّ الصفحة الأولى من كتاب التاريخ.