الحلقة 447: طرقاتٌ سائبة في دولة غائبة
(السبت 12 تشرين الثاني 2005)
إذا كان كلُّ شيءٍ حولنا مُجمَّداً أو متردِّداً أو مؤجَّلاً بانتظار تقرير ميليس، أو جلاء الحقيقة، فما ذنب المواطن العادي تظل تحركاته على طرقات الوطن مشوبةً بالخطر والحذر والقلق على أمنه وحياته، لأن طرقاتِنا سائبةٌ متروكةٌ بلا مراقبة ولا شرطة سير ولا حضور أمانٍ؟
في أمثالنا الشائعة أن “الرزق السائب يعلم الناس الحرام”. ونضيف عليها أن الطُرُقات السائبة تشجع الناس على المخالفة وارتكاب المعاصي ووقاحة المرور على الضوء الأحمر والوقوف في مكان ممنوع والسير عكس السير والتجاوز الزيكزاكي وسائر مخالفاتٍ ما زلنا نرددها مراراً وتكراراً في هذا البرنامج.
كيف نفسِّر أن يمر المواطن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مروراً بالوسط والعاصمة، وبالكاد يرى على الطريق شرطيَّ سير واحداً واقفاً رفع عتب بلا فاعلية ولا هيبة ولا سلطة ولا استعدادِ أن ينظِّمَ محضرَ ضبطٍ بسائقٍ أرعنَ، مسرعٍ أو يتحدث بالهاتف الخلوي (وهذا ممنوع) أو ليس واضعاً حزامَ الأمان (وهذا خطر) أو عتَّم زجاج سيارتِه بدون إذن رسمي أو يعبر على الضوء الأحمر أو يأتي أية مخالفةٍ يعاقبه عليها قانون السير في بلدان الناس.
مش وقتا هلّق؟ الوطن اليوم مشغولٌ بما هو أهمّ؟ ولكنّ حياةَ الناس مهددةٌ كلَّ لحظةٍ بالموت الأكيد على الطرقات، والموتُ لا ينتظر تقريرَ ميليس ولا جلاءَ الحقيقة ولا استتبابَ الوضع الاقتصادي.
في جميع بلدان العالم مشاكلُ طارئةٌ وهزاتٌ سياسية وأمنية. ولكنّ هذه وسواها لا تجعل الدولة غائبةً عن الطرقات أو عن القيام بِما يَجعلها حاضرةً بسلطتِها وهيبتها رادعة خطر الموت عن المواطنين.
أما عندنا فطرقاتٌ سائبةٌ من الدولة، ودولةٌ غائبةٌ عن الطرقات. ويا تعس دولةٍ لا تفرض هيبتها على مواطنيها، بدءاً من مراقبة الطرقات.