الحلقة 430: بين خرائب قرطاجة وهياكل بعلبك
(الجمعة 14 تشرين الأول 2005)
في طريقي إلى قرطاجة كنتُ أتخيَّل هيبةَ هذه المدينةِ بنتِ مدينتِنا العظيمة صور وأتخيَّل معالم سأراها في الموقع الشهير. ولدى وصولي إلى المكان ولقائي دليلاً كان ينتظرني أخذ يدور بي في المكان، لم أجد حولي إلاّ بقايا البقايا من حجارةٍ بعضُها متراكب وبعضُها الآخر متناثر، حتى لم أكد أرى مَعْلماً واحداً كاملاً أو شبه متكامل. وكان دليلي لا يتوقَّف يشرح لي عن عظمةِ قرطاجة وامتدادِها وتوسُّعِها حتى أصبحت عظيمة الأثر فقررت روما تدميرها حقداً عليها وخوفاً منها، كما صرخ القائد الروماني كاتون وهجم عليها ولم يُبقِ فيها معالم قائمة. وشرح لي أن قرطاجة تعني “قرْت حادشت” أي صور الجديدة، وأنّ الموزاييك اختراع قرطاجي. ولدى زيارتي متحف قرطاجة أشار لي دليلي أن السياح يتقاطرون بالآلاف إلى هذا الموقع الفريد المطل على ثلاثة مرافئ قرطاجة الفونية. وسألته عن السياح فأراني تقريراً حكومياً جاء فيه أن عددهم هذا العام حتى مطلع تشرين الأول الحالي بلغ ستة ملايين ونصف مليون سائح عائداتهم نحو مليارين و300 مليون دولار، والمتوقع أنّ تبلغ عائدات السياحة مع نهاية هذا العام مليارين ونصف مليار دولار في قطاع السياحة الذي يعوّض 56% من عجز الخزينة.
لا أعرف إن كان دليلي أضاف أكثر من ذلك قبل أن أغادر موقع قرطاجة، لأنني ذهبت بتفكيري إلى هياكل بعلبك التي هي بهيبتها أعجوبة أعاجيب الدنيا، وإلى كل بقعةٍ من لبنان فيها آثارٌ بعضُها لا يزال بكامل شكله ونحن لا نستغلّ قطاعنا الآثاري والسياحي، لأن الدولة ما زالت لا تصرف لقطاع السياحة ميزانيةً كافية تصرفها الوزارة جاذبةً بالمقابل مدخولاً يُسهم في تخفيض عجز الدولة من مدخول السياحة التي، إذا فُعِّلت، تكون بترول لبنان الحقيقي.
وإذا كان لبعض الدول بترول واحد، فللبنان بترولان لم نستثمرْهما بعد: السياحةُ والثقافة.