الحلقة 429: المسرح البلدي بين تونس وبيروت
(الخميس 13 تشرين الأول 2005)
حين دخلتُ المسرح البلدي في تونس حسبتُني داخلاً إلى الـ”غران تياتر” في بيروت: قبة عالية، لُوجات عالية منفصِلٌ واحدُها عن الآخَر، مقصورات خاصة فخمة، صفوف من المقاعد سفلى ووسطى وعالية.
سألتُ مديره عن تاريخ المسرح فقال إنه بُنِيَ عام 1901 ودُشِّن عام 1902، ووقف عليه طوال تاريخه خلال 103 سنوات كبارُ نجوم المسرح والغناء والأوبرا والتمثيل في أوروبا والعالم العربي، وإنه يرمَّم كل بضع سنواتٍ كي يحافظ على متانته، مع الحفاظ التام على شكله وهيكليته والنقوش والزخرفات في سقفه ولوجاته ومقصوراته وخشبته وألوانِه الأصلية للمقاعد والجدران. وهو موضوعٌ تحت إشراف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، وما أصدق أنها جديرة بحمل اسمها إذ تعمل للثقافة وتحافظ على التراث.
وفيما أخذ مدير المسرح يشرح لي أكثر، رحتُ أُصغي إليه بأُذْنٍ واحدة فيما غبتُ بتفكيري إلى التياترو الكبير في بيروت، وهو أيضاً شهد منذ مطالع القرن الماضي أكبر النجوم وأبرز الأعمال المسرحية والغنائية، لكنه وقع ضحية الإهمال أولاً ثم ضحية الحرب المجرمة في شوارع بيروت، حتى إذا نهضت بيروت إلى حلّتها الجديدة لم تستطع وزارة الثقافة بسطَ يدها عليه وإنقاذَهُ من التلف وترميمَه ليكون مسرحاً وطنياً نعتَزُّ به ونستقبل فيه أرقى الأعمال المسرحية والغنائية ونستقبل فيه جمهور لبنان وزوار لبنان وسياح لبنان.
لم تستطع ذلك وزارةُ الثقافة لسببين: إما تولاّها وزير سياسي جاء لأنه ينتمي إلى هذه الطائفة أو إلى هذا الحزب أو ذاك الزعيم السياسي، ولم يكن في أي حال من الوسط الثقافي، وإما تولاّها وزير قريب من الوسط الثقافي لكنه لم ينجح في اقتناص ميزانية لوزارة الثقافة يمكنه بها أن يتحرك ثقافياً.
والنتيجة؟ خسرنا التياترو الكبير وسوف يتحوَّل قريباً إلى مطعم “مودرن”.
فجأةً أتنبه إلى مدير المسرح البلدي في تونس يسألني: “أين يقع المسرح الوطني في لبنان”؟