الحلقة 419: تضامن الشعب مع ذاته قبل التضامن مع الدولة
(الخميس 22 أيلول 2005)
بعد محاولة اغتيال العزيزة مي شدياق، صدرت مناشدات كثيرة تدعو المواطنين إلى التضامن مع الدولة لكشف الجُناة. وهي دعوةٌ تعيدُ المواطنين إلى مبدإ “كل مواطن خفير”. وهو مبدأٌ سليم في حال كان الشعب واحداً موحَّداً على نِظرةٍ واحدةٍ إلى وطن واحد. ولكنّ هذا المبدأ يجعل المواطنين مخابراتٍ على بعضهم البعض حين يكون الشعب مفسَّخاً إلى انتماءاتٍ سياسية تدين بالولاء للسياسيين لا للوطن، وللزعماء لا للدولة، ولإقطاعيي الأرض وأولياء العشائر.
ظلت هذه الدولة تتصرف كأن الشعب خادمُها لا كأنها هي خادمةُ الشعب، حتى هَجَّ منها الشعب وانقلب عليها ولم يعد يصدّقها في ما تقول وتعِد وتخطط. وظلَّ السياسيون يُغذّون الإقطاعية والعشائرية والمحسوبية حتى هجَّ منهم بعض الشعب وكفر بهم جميعاً، بينما ظل البعض الآخر منصاعاً صاغراً منجراً أغنامياً وراءهم منادياً بهم مهوبراً لهم رافعاً صورهم ويافطاتهم ومتبنّياً كل ما به ينطقون فيصطف مع ويصطف ضد بحسب ما يقرر زعيم القبيلة.
التضامن مع الدولة يكون في الثقة بالدولة، ولكن أية ثقة بسياسيين حين يصرّحون يقولون “هذا البلد” بدل أن يقولوا بلدنا أو وطننا أو لبناننا. فوقعُ عبارة “هذا البلد” توحي كأنهم لا ينتمون إليه بل إلى بلد آخَر.
التضامن مع الدولة يَصُحُّ حين يكون الشعب متضامناً مع ذاته، موحَّداً على نِظرةٍ واحدة إلى لبنان الوطن لا مفسَّخاً إلى نِظراتٍ متفرقة فرَّقها السياسيون كي يُبقوا على زعاماتهم فوق هامات أزلامهم والمحاسيب.
التضامن مع الدولة ضروري جداً. لكنّ الضروريَّ أكثر: تضامن الشعب مع ذاته على 14 آذار يومي دائم متواصل يكون فيه السياسيون خُدام الشعب لا لورداتِه ويكون فيه الشعب هو القائد الذي يفرض على السياسيين بوصلة اتجاه الريح.