الحلقة 418: مي شدياق وأمثولة الانتماء
(الأربعاء 28 أيلول 2005)
أبعد من صرخات الاستنكار والاستهجان والدعوات إلى الصلاة والاعتصامات، تحفزنا محاولة اغتيال مي شدياق إلى الاتعاظ واستخلاص الأمثولة. وإنها أُمثولة واحدة بل وحيدة: الانتماء. ومي شدياق وقعَت ضحية الانتماء: انتمائها إلى الهوية الواحدة الوحيدة: لبنان اللبناني. ولعلَّ أفضل تعبير عن الغضب كان التجمُّع الذي تم في ساحة الحرية مساءَ أول أمس الاثنين، وهو رفضُ كل انتماء آخَر إلاّ إلى لبنان. فمن أوجعِ ما يصيبنا في لبنان انتماءُ كثيرين بيننا إلى الخارج، بين قريبه والبعيد. فكيف نريد بناءَ بيتِنا وتَمتينَه وبقاءَه حين كثيرون من أهل البيت ينتمون إلى خارج البيت، ويدينون بالولاء لخارج البيت قبل انتمائهم إلى البيت؟
الفرنسي ينتمي إلى فرنساهُ أولاً قبل انتمائه إلى أوروبا. والسنغالي ينتمي إلى سنغالِه أولاً قبل انتمائه إلى أفريقيا
والكندي ينتمي إلى كنداه بإصرارٍ ولو انه ينطق بفرنسية فرنسا أو بإنكليزية بريطانيا وأميركا.
الانتماء الانتماء… ومي شدياق ضحيةُ انفجارِ مَن أراد به تفجير انتمائها إلى علم واحد: علمُ لبنان، وهويةٍ واحدة: الهويةُ اللبنانية، ونشيدٍ واحد: النشيدُ الوطني اللبناني، وأرضٍ واحدة: أرضُ لبنان، وشعبٍ واحد: شعبُ لبنان، وولاء واحد: الولاءُ للبنان.
مشكلة لبنان الأُولى: التفسُّخُ الانتمائيُّ السياسي في موزاييك عقائدي إيديولوجي حزبي يدين بالولاء لغير لبنان وما يستتبع هذا الموزاييك من اصطفافات شعبية موازية تجعلُ الشعبَ اللبنانيَّ الواحد شعوباً مختلفةَ الانتماء متشعبةَ الولاء إلى هنا وهناك وهنالك، وهو ما أفسد وِحدة 14 آذار وأعاد فصائلَها إلى لورداتها السياسية والطائفية.
بلى: أبعد من صرخات الاستنكار والاستهجان والدعوات إلى الصلاة والاعتصامات، محاولة اغتيال مي شدياق تحفزنا إلى الاتعاظِ واستخلاصِ أمثولةٍ واحدةٍ وحيدة: الانتماءُ إلى وحدِه وحدِه وحدِه: لبنان.