الحلقة 416: الثقافة بين “السِلَع” و”الخيرات”
(الاثنين 26 أيلول 2005)
في افتتاح ورشة العمل التي نظّمها مكتب الأونسكو الإقليمي في بيروت أول أمس حول التنوُّع الثقافي، لفتَ وزير الثقافة طارق متري في كلمته استعمالُه عبارة “خيرات ثقافية” عوض “سلَع ثقافية” المعتمدة عموماً، وعوض عبارة “الممتلكات” أو “المقتنيات الثقافية” المعتمدة في بعض النصوص، وكان الدكتور طارق متري بعبارة “خيرات ثقافية” يترجم العبارة الفرنسية biens culturels والعبارة الإنكليزية cultural goods.
اللافت في عبارة “خيرات ثقافية” مدلولها الحضاري والتراثي مقابل عبارة “سلَع ثقافية” التي تجعل الثقافة عملاً تجارياً استهلاكياً بحتاً لا هامش فيه للإبداع الذي هو أُسُّ العمل الثقافي والإرث الثقافي والنتاج الثقافي، من هنا أن مدلول عبارة “خيرات ثقافية” أجملُ من ممتلكات ثقافية أو مقتنيات ثقافية.
السلع تعني البيع والشراء والاستخدام بلا حرص ولا حفظٍ ولا ذاكرة، بينما الخيرات الثقافية تعني الإرث المتوارَث أو المعمولَ عليه اليوم ليصبحَ إرثاً يورَّث بكل حرص وكل حفظ وكل حماية.
وفيما السلع تنتقل من جيل إلى الجيل نفسه أو التالي على أبعد حد، تبقى الخيرات من أجيال سالفة إلى أجيال لاحقة بل إلى شعب كامل يغنم منها في تواصل حضاري مستدام. والسلَع عمومية بطبيعتها ولو استهلكها فرد، بينما الخيرات خصوصية بطبيعتها ولو استخدمتها مجموعة.
وإذا كان المقصود بالتسليع الاستهلاكي: التسويق، فالخيرات لها أيضاً تسويقُها، لكنّ تسويق السيارة والبراد والعقار أمر، وتسويق النتاج الثقافي أمر آخَر مهما احتاج استهلاكاً لا يمكن أن “يتسلّع” بالمفهوم التجاري المسطّح.
معه حق الدكتور طارق متري: فلنعتمد لإرثنا الثقافي عبارة “الخيرات الثقافية” لأن مدلولها يرتقي إلى تسويق الفكر وهو عمل حضاري، مقابل تسويق السلَع التجارية وهو عمل استهلاكي بحت لا حضارة فيه بل مركنتيلية بحتة.