الحلقة 406: بين رجل الدولة ورجل السياسة
(الاثنين 12 أيلول 2005)
من أقوال السفير فؤاد الترك، وما أكثرَها وأنبلَها مدرسةً في اللبنانية، قولُه: “الفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة، أن رجل السياسة يتصرّف على أنّ الوطن ملْكٌ له، ورجل الدولة يتصرّف على أنه ملْكٌ للوطن”.
رجل السياسة الوطن ملْكٌ له، يعني أنّ ملْكه يشمل مغانم الدولة وممتلكات الدولة والشعبَ أعداداً بل قطعاناً يتصرف بها ويديرها ويوجهها ويوظفها حيثما وحينما وكيفما يشاء.
رجل الدولة ملْكٌ للوطن، يعني أنه واضعٌ إمكاناتِه وخبراتِه ومهنيَّتَه في تصرُّف الدولة تغنم منها ومنه فتخطو إلى الأمام خطواتٍ تجعل الدولة لائقةً بالوطن وشعب الوطن.
ونحن، في ما نحن عليه، ولا أقول اليوم، فما أشبه اليوم بالبارحة وبقبل البارحة ومنذ نصف قرن، نحن في دولةٍ ساسها رجالٌ معظمهم رجال سياسة وقلّتُهم رجالُ دولة.
والشواهدُ قليلةٌ على رجال دولة كانوا في تقشُّف، دخلوا الحكم والدولة وظلّوا على التقشف، وحين خرجوا من الحكم والدولة لم يأخذوا معهم إلاّ تقشُّفَهم ونظافةَ كفٍّ تُخَرْسِنُ كل شبهة.
أما الشواهد على رجال سياسة كانوا ما كانوا قبل دخول الحكم والدولة، وأصبحوا ما أصبحوا خلال وجودهم في الدولة والحكم، وآلوا إلى ما آلوا إليه بعد خروجهم من الدولة والحكم (هذا إذا خرجوا) فإن أحوالهم تغيَّرت من حال إلى حال، ويا سبحان مغير الأحوال.
لذلك، عبثاً يأمل الطاهرون ويبحث الطوباويون. الحل واضحٌ وبسيط: لن ينقذ لبنان من أخطبوطاته إلاَّ أن يخفِّفَ شعبُنا من إيصال رجال سياسة، ويحوّلَ ضميره وتفكيره إلى إيصال… رجال دولة.