الحلقة 397: شعبٌ مُحاسِب لا مَحسوب
(الثلثاء 30 آب 2005)
حديثي أمس الاثنين عن الانتقال من منطق السلطة العشائرية إلى منطق الدولة فوق الجميع، يؤدي تلقائياً إلى الحديث اليوم عن الشعب الذي في يده الإمساكُ بالتوجُّه إلى المسؤولين مطالباً إياهم بالتحوّل من سلطة إلى دولة، من سلطةٍ مَحليةٍ لأشخاصٍ مَحليين إلى دولة مركزية بصرف النظر عن الذين يديرونها اليوم وغداً سواهم وبعد غدٍ غيرُهُم.
فالحكم تداوُلٌ لا وراثة، والحُكمُ استحقاقٌ لا فرض، والحكْم خدمةٌ عامة لا سلطة استرئاسية استزعامية دائمة.
والشعبُ، وحده الشعب، هو من يقرّر شكلَ الدولة، هو مَن يوصِل المستحقِّين بناءَ الدولة، حين هو على درجة عالية من الوعي المواطني على حقوقه المواطنية وواجبات السياسيين تجاهه.
وبالشعب هنا أقصد الشعبَ الحسيبَ لا الكئيب، الشعبَ الرقيبَ لا السليب، الشعبَ المحاسِبَ السياسيين لا المحسوبَ على السياسيين، الشعبَ الذي هو يقرِّر لا الذي يقرَّر عنه وهو يبصم ويرفع أصابعه عميانياً ويهوبر لزعمائه وقادته ويطلق شعاراتِهم ويوزِّع صورَهم ويَمُدّ يافطاتِهم في الشوارع.
مع شعبٍ بهذا الوعي على مواطنيّتِه وحقوقِه المواطنية، نَخرج من دولة المزرعة إلى دولة القانون، من دولة الأشخاص إلى دولة المؤسسات، من دولة المحاسيب والأزلام والمحسوبية والزبائنية إلى دولة الهيبة التي تفرض رهبتها على الناس وينضوي فيها المواطن والسياسي على السواء، فلا فضل لِمواطن على آخَر إلاّ بالتزامه القانون الحازم.
الشعبُ الشعبُ مصدرُ السلطة ومصدرُ الدولة. فلْيحزمْ شعبُنا أمرَه ولْيَعِ أين يقوده أولياء العشيرة، ولْيفهمْ شعبُنا أنَّ دورَ السياسيين أنْ يكونوا هم في خدمته وخدمة الوطن، ولْيخرُجْ شعبنا من منطق أنه هو خادم السياسيين وأنه مُجرَّدُ حبوبٍ عمياء في المسابح بين أصابعهم.