349: وهذه هي قصة شوستاكوفيتش وستالين

الحلقة 349 – وهذه هي قصة شوستاكوفيتش وستالين
(الخميس 23 حزيران 2005)

بعد قصة بيتهوفن والملك (في حلقة أول أمس الثلثاء) وقصة بيتهوفن والأمير (في حلقة أمس الأربعاء) أروي اليوم قصة شوستاكوفيتس وستالين.
من المعروف عن ستالين (1879-1953) أنه كان قاسياً ديكتاتورياً توتاليتارياً أوتوقراطياً هابَهُ السوفيات وفرض هيبته الطاغية على العالَم. غير أنه كان ذا التفاتات واعية إلى المبدعين السوفيات، وصرّح غير مرّة بأن تشجيع الآداب الفنون ركنٌ أوّلُ في بناء الأُمم، وبقاء الدول، ومستوى البلدان في العالم.
ومن المعروف عن المؤلف الموسيقي المبدع ديمتري شوستاكوفيتش (1906-1975) أنه، إلى عبقريته الفذّة، كان ذا مزاج خاص وغريب ومتفرّد، ويسكن في منْزلٍ منْزوٍ على تلةٍ جميلةٍ هادئةٍ من موسكو. ونتيجةَ أعماله الموسيقية نال سنة 1940 “جائزة ستالين”. وفي خطابه الشكراني ذكر أنْ تَحت بيته يَمُرُّ خط السكة الحديدية فيُزعج خلواته التأليفية ويفسد عليه التركيز كلّما مرّ القطار بصفيره وضوضائه. فما كان من ستالين إلاّ أن أصدر أمره العاجل بنَزع خط السكة الحديدية من تَحت بيت شوستاكوفيتش، وتغيير مسار القطار إلى ناحية أخرى بعيدة عن ذاك الحي الهادئ، مع ما يكلّف ذلك من وقت وجهد ومال لنَزع خط السكة وشق خطٍ آخرَ بديلٍ وبعيدٍ عن المكان.
هذا لنقول إن الحاكم الرؤيوي، مهما يكن طاغياً ومستبداً وظالِماً وديكتاتوراً، يعرف أن الفنون والآداب هي التي تصنع الأُمم، وهي التي، إذا شجّع الحاكم المبدعين، تصنع له مَجده ومَجد وطنه.
الحاكم الرؤيوي يعرف كيفَ المبدعون هُم، لا السياسيون، يصنعون خلود الوطن وحكامه وشعبه، وهُم، لا السياسيون، يَجعلون دولتهم، مهما كانت صغيرة، تنتمي إلى العالَم، وهُم، لا السياسيون، يأخذون وطنهم إلى العالَم، وفي حالات كثيرة، هم، لا السياسيون، يصنعون الثورات في العالَم.
ولنا في حالة شوبان وحنينه من منفاه في باريس إلى بلاده بولونيا، قصةٌ معبّرةٌ بليغةٌ أرويها غداً شاهدةً على ما أقول. فإلى حلقة الغد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*