الحلقة 340 – لا برواز الصورة بل برنامج صاحبها
(الجمعة 10 حزيران 2005)
لامني صديقٌ مرشّحٌ على كلامي في حلقة أمس الخميس حول صور المرشحين المرشوشة في كل مكان، عوض أن يكون مرشوشاً في عقولنا برنامجهم لأربع سنوات مقبلة، تشريعياً وإدارياً واجتماعياً وسياسياً، فننتخبَ هذا المرشح على برنامجه إذا اقنعنا أو ذاك المرشح على برنامجه لآخر إذا كان أكثر إقناعاً.
نحن لسنا ضد صور المرشحين، فهذا حقّهم في التقدّم من الناخبين. لكننا ضدّ أن يبطحوا في وجوهنا شعاراتهم لا خياراتهم، وتَحالفاتهم وخلافاتهم وآفاتهم واصطفافاتهم، وكيديّتهم لا جِدّيّتهم، ومعادلاتهم لا دلالاتهم، ووعودَهم لا جهودَهم. وإذا كانت اللوحات الإعلانية الكبرى عن المغنيات والراقصات كافيةً ليقصد الناس المربع أو المطعم أو التايت كلوب كي يشاهدوها، فهل اللوحات الإعلانية الكبرى عن صور المرشحين كافيةٌ لإقناع الناس بانتخابهم؟ وإلى متى سيظل الناس عندنا ينتخبون برواز الصورة لا مضمون الصورة، وصاحب الصورة لا برنامج صاحب الصورة؟ وكي لا نكون رفضيين معممين في المطلق، سنكون طوباويين قليلاً ونصدّق بعض البعض، نسأل: “كم واحداً من هؤلاء المرشحين طرح برنامجاً ووزعه على الناس في الصحافة أو في كتيبات أو منشورات، وقال للناس: “هوذا برنامجي فانتخبوه قبل أن تنتخبوني”؟ كم واحداً من هؤلاء المرشحين كتب كتاباً أو مقالاً أو بحثاً أو دراسةً بان من خلالها فكره وتصوره وبرنامجه وتفكيره في مستقبل أفضل للبنان أفضل، حتى ينتخبه الناس على فكره وتصوره وبرنامجه وتفكيره لا على صورته المهيوبة وشعاره المرهوب؟
حتى الأحزاب عندنا، والبرامج عندنا تصدر عن أحزاب، كم حزباً عندنا طلب من الناس انتخاب برنامجه بدل مرشحه، فحين يطرح الحزب برنامجه المقنع لا يعود ينتخب مرشحه الرفاق والرفقاء والمحازبون وحسب، بل المناصرون والمواطنون غير الحزبيين لأن الانتخاب يكون للبرنامج لا للشخص ولا للصورة ولا للشعار.
ومن الآن، يا صديقي المرشح، إلى أن يصير الناس عندنا ينتخبون لا المرشّح بل برنامج المرشح، وما يُمثل المرشح لا من يُمثل المرشح، سيبقى المرشحون عندنا يتعاملون قطعانياً مع الناس، حتى يَجيء يومٌ يكتشف فيه المرشحون ضرورة لأن يستبدلوا الصورة بالبرنامج، والشعار بالمخطط، ويكتشفون بأن الناس صاروا ربيعاً مُخيّراً لا قطيعاً مسيَّراً في مَحدلة.