الحلقة 335: لا أنتَ مَن… بل مَحسوبٌ على مَن
(الجمعة 3 حزيران 2005)
من علامات الانتخابات التي عشناها الأحد الماضي وسنعيشُها بعدٍ غدٍ دورةً ثانية والأحدَين المقبلَين، أنّ الناس فيها منقسمون أفراداً وجماعاتٍ وفئاتٍ ومُناصرين مُتحمّسين لهذا ضدَّ ذاك، أو لذاك ضدَّ ذلك، فلا حديثَ للناس إلاّ الانتخابات ولا حوارَ بينهم إلاّ الانتخابات، ويلتقون ويتحاورُون ويتخاصمُون ويتحمَّسون، وقد يتضاربون كُرمى لهذا المرشَّح أو ضدّ ذاك السياسي، حتى لكأنَّ معظم السياسيين يَجعلون معظم قاعدتِهم الانتخابية فئرانَ مُختبرات مُطيعةً مسيَّرة.
بِهذا، لا يعودُ المواطن هو هو، ولا يعودُ يُمَثِّل شخصه وذاته، بل يصبح: إلى مَن ينتمي، ومَن يتبع، وعلى مَن هو مَحسوب. أي أنّ المواطنَ يُصبحُ مَمحُوّاً في ذاته فلا يعودُ موجوداً إلاّ بِمقدار انْوجاده حبةً بلهاءَ في مسبحة هذا أو ذاك من السياسيين، يُسَيِّرها السياسي في يده كما يشاء، عندما يشاء، ويُجيّرُها مثلما يشاء وإلى مَن يشاء.
فما أبشعَ أَلاّ يُسألَ المواطنُ: “أنتَ مَن”؟ أو “أنتَ مقتنعٌ بِمَن”، بل “أنتَ مَحسوبٌ على مَن؟”.
أَبشعُ ما يُصيبنا في مُواطِنيَّتِنا: إستزلام البعض “عَ العمياني” لسياسيين ينقسم الناس على الاستزلام لهم.
وأَذَلُّ ما يُصيبُنا في مُواطِنيَّتِنا: أن يكون الواحدُ زلْمة سياسيّ، أو يَخُصُّ هذا السياسي، أو مَحسوباً على هذا السياسي، فلا تَعودُ له هُويةُ من هو، بل تصبح كلُّ قيمته في انْحسابه على هذا أو ذاك من السياسيين.
بلى، أَسوأُ ما يُصيبُنا في مُواطِنيَّتِنا: ألاّ يعودَ المواطنُ حتى صنَماً، بل يتحوّلُ الى… ظِلٍّ لصنم.