301: أمثولة لبنان من ذكرى مجزرة قانا

الحلقة 301 : أمثولة لبنان من ذكرى مَجرزة قانا
(الاثنين 18 نيسان 2005)

… واليوم ذكرى قانا !
لكأنه قدرٌ علينا، هذا الأُسبوع، أن نتأَمَّلَ في جُرح الذِّكْرَيَيْن: 13 نيسان و18 نيسان.
وإذا كنّا، الأربعاء الماضي، احتفلنا بمرور ثلاثين عاماً على 13 نيسان 75، فخرجنا بالعبرة مقْسمين أن نكونَ خرجنا من ذاكرة الماضي المعْتمة إلى ذاكرة المستقبل المُضيئة، فنمسحُ ذاكرة الحرب التفسيخية بالتصميم على الوِحدة والتماسُك والإصرار على رفض كلّ مُحاولات العودة إلى الحرب، فبأية عبرةٍ يُمكن أن نَخرج من يوم 18 نيسان، ذكرى المجرزة الوحشية ارتكبها مَن هم أعداؤنا منذ أول التاريخ؟
بِمَ نَخرج؟ مرةً أُخرى بعِبرة أن نظلّ متّحدين في وجههم، متماسكين في التشبُّث بِحقّنا في أرضنا لبنانيةً حتى آخِر ذَرّة تراب من مزارع شبعا. فالجنوب الذي عانى من جزمة العدوّ الدنسة، وتنفَّس رئاتٍ وإغماضاتِ راحةٍ بعد 24 أيار 2000، سوف يتنفّسُ بعدُ نهائياً حين يتحرّر أخِرُ شبرٍ من مزارع شبعا.
والمجتمع الدولي الذي مارس ضغوطاً من كل نوعٍ حتى لا يظلَّ على أرض لبنان حضورٌ لأية قوى مسلّحة غيرِ جيش لبنان، سيُكمل ضغوطه حتى لا يبقى على أرض لبنان شبر واحد إلاّ تحت سيطرة الدولة اللبنانية.
ولِمَ اهتمامُ المجتمع الدولي بنا إلى هذا الحدّ؟ لا لهيمنةٍ ولا لسيطرة، فلن نقبَلَ بهما هكذا ولو كانتا من عند الملائكة. اهتمامُهُ، هذا المجتمع الدولي، ليقينه التامّ بأنّ لبنان “رسالةٌ” حقاً (كما سمّاه قديس العصر يوحنا بولس الثاني). وإذا البابا سمّاه هكذا روحياً، فالمجتمع الدولي يراه هكذا (عملياً وميدانياً) نَموذَجاً للديمقراطية في هذا الشرق التاعس الغارق في دُوَلٍ تُمارس التوتاليتاريا مقنّعةً هنا، مغلّفةً هناك، أو سافرةً هنالك.
المجتمع الدولي مصلحته أن نبقى نموذجاً ديمقراطياً في هذا الشرق، إنما يعرف أننا نعرف بأنْ لن نرضى أن تتقَدّم مصلحتُهُ على مصلحتنا اللبنانية، ولا أن نضحّي بِمصلحتنا من أجل مصلحته.
ويعرف المجتمع الدولي أنْ متى خرج لبنان إلى فضاء الديمقراطية الكاملة، وفْق النموذج الغربي، سيكون لبنانُ رأْس الخيط الذي سيَجُرُّ بعده دولَ المنطقة إلى مساحة ديمقراطية في هذا الشرق تُريح شعوب الشرق ودول الغرب معاً.
والمجتمع الدولي، الذي حرّكتْه بعنفٍ وصدمةٍ مَجزرةُ قانا، من مصلحته الدولية أن يُكملَ بعدُ حتى ينْزع الشوكة الإسرائيلية من مزارع شبعا، بعدما مقاومَتُنا في الجنوب لقَّنَت العدُوّ درساً في الانسحاب ذليلاً من أرضنا التي ظَنّ أنه يستبيحها بسهولةٍ ويبقى فيها كما عند سوانا.
أمثولة قانا اليوم، في ذكرى 18 نيسان المُؤلِمة، هي هذه: أن نظلّ، ونحن متماسكون، حاضرين في المحافل الدولية حتى لا يظل على أرض لبنان جندي إلا لبناني، وحتى تبسط الدولة نفوذها على كل حبة من التراب اللبناني، فتكونَ تردداتُ مجزرة قانا، كما تردداتُ 14 شباط، الشرارةَ التي أحرقت مشعليها فرمّدوا على أرضنا الطاهرة، وخرج من رماد حريقها، حياً حراً مستقلاً، فينيقُ لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*