296: 30 عاماً. 1) من حافلة الركاب إلى حافلة الوطن

الحلقة 296: ثلاثون عاماً… فماذا تَعَلَّمْنا؟
الجزء الأول: من حافلة الركّاب إلى حافلة الوطن
(الاثنين 11 نيسان 2005)

هذا الأُسبوع، أُسبوعُ الذكرى الثلاثين.
ذكرى إطلاق رصاصاتٍ على حافلة ركَّابٍ، تناسلَت رصاصاتٍ على حافلة الوطن.
ثلاثون عاماً… عُمر !
ثلاثون عاماً… ثلاثةُ أجيال !
مَن وُلِدَ يومَها، صار اليوم في الثلاثين !
ومَن كان يومَها في الثلاثين، صار اليوم في الستين !
ومَن كانَ يومَها في الستين، قد يكون غابَ وفي عينيه حسرةُ أنه عاش آخِرَ ثلاثين عاماً من حياته في جوٍّ من الوطن المُعَذَّب على جلجلة الدُّوَل الكبرى والصديقة والشقيقة.
لن أَذهَبَ بعيداً. وأستشهِد بِابْني، ولدي الوحيدِ الذي كان ينتصف عامُه الثاني في مثل هذا الأُسبوع من ثلاثينَ عاماً. وحين بدأَ يعي حولَه ما حولَه ومَن حولَه، راح يعي لياليه نوماً في الملجأ، ونهاراته تعطيلاً قسرياً في المدرسة، وأيامَ خوفٍ يُمضيها مرعوباً من سَماع إطلاق صاروخٍ أو سقوط قذيفةٍ أو مشاهدِ موتٍ وقتلى ودَمارٍ ورَمادٍ راحت ملامِحُها تكبَر في عينيه وذاكرته، وظَلَّت تكبَرُ معه حتى انتصَفَ عقدُه الثاني من ربيعه النضِر، فسافر مع أُمه إلى زيارة جَدّيه في فلوريدا عن طريق مرفإِ جونيه ذات يومٍ من مطر القذائف على الميناء الآمنة، وحَطَّ معه خوفه في فلوريدا عام 1986، فعاش هناكَ ولا يزال هناك منذ ذاك النهار يعيش في مشاهد طفولته وصباه، متردّداً في العودة إلى وطنٍ لم يَرَ منه في طفولته وصباه إلاّ ليالي الملجإ ونهارات الخوف والقلق.
نَموذجاً أُعطيه لأُماهي بهِ جيلاً كاملاً من اللبنانيين، شرارةُ 13 نيسان 1975 أَحرقَت أَرضهم وبيوتَهم وذاكرتهم فَهَجُّوا بعيداً وما زالوا هناكَ حيث أسسوا واحةً لهم مُسَوَّرةً بالأمن والأمان، ولا يزالون متردِّدين في الرُّجوع والاستقرار بانتظار أن يَخرج وطنهم من عنق زجاجة المزرعة والعشيرة والمحسوبية، فتنتهي جلجلةُ عذابات لبنان الكيان وتكون قيامة لبنان الدولة التي يتساوى فيها المواطنون فلا فضل لِمواطنٍ على آخَر إلاّ بِمقدار التزامه بِمواطَنته.
هذا ما فَعَلتْهُ، قبل ثلاثين عاماً، في مثل هذا الأُسبوع، رصاصاتٌ أطلقَها مُسلَّحون على حافلة ركّاب فتناسل المسلّحون مسلّحين على مساحة البلاد، وتناسلت الرصاصاتُ رصاصاتٍ على حافلة الوطن الذين، في منتصف السبعينات، كان لؤلؤةَ الشرق ومَحَطَّ أنظار الأشقّاء وحسَد الأشقّاء، فرمَوه في البئر، أو غضوا النظر عنه مرمياً في البئر، وتركوهُ وحده يواجه مصيره.
هذا الأُسبوع، أُسبوعُ الذكرى الثلاثين. ثلاثون عاماً… فماذا تعلّمنا؟
تعلَّمْنا الكثير، وعَلَّمْنا الكثير. ماذا؟؟؟ غداً نَلْتقي ونُكْمِل، فإلى الغد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*