الحلقة 294: أكبر حشد في التاريخ إلى أصغر دولة في العالم
(الخميس 7 نيسان 2005)
حتى مساء أمس الأربعاء، كانوا تَجاوزوا المليون. والترجيح أنهم، حتى مساء غدٍ الجمعة، قد يبلغون المليونين. وفي التقدير أن يكون حاضراً غداً على الأقلّ مئتان من رؤساء الدول والحكومات، ينحنون خُشَّعاً أمام جثمان الراحل التاريْخي العظيم الذي يكون، في مأتمه، استقطب أكبر حشدٍ في التاريخ إلى أصغر دولة في العالم.
هذا هو المجدُ الذي ما بعدَه مجدٌ في الدول: أن تُقاس الدولةُ بإشعاعها وقيمتِها الروحية، لا بشساعةِ حدودها ووساعةِ مساحتها ومَلْيَنةِ سُكانها، بل بطاقتِها البشرية ومساحتِها الروحية.
فعن أرقام الجغرافيا والديْمُغرافيا أن دولة الفاتيكان، عاصمةَ الكثلكة في العالم، مساحتُها نصف كلم مربّع (بالضبط: 0،44 كلم مربع)، وعدد سكانها 921 نسمة (في إحصاء تموز 2004). أما طاقتُها البشرية فتمتدّ إلى نحو مليار نسمة في العالم، وأما مساحتها الروحية فتمتدّ على ملايين الكيلومترات المربعة في أربعة أقطار الكرة الأرضية.
ما الشاهدُ من هذا الكلام؟
الشاهدُ هو لبنان. لبنان الدولة الصغيرة ذات الـ10452 كلم مربّع، والديمغرافيا الضئيلة ذات الأربعة ملايين نسمة. لكنّ وطنها اللبناني يَمتَدّ إلى أربعة أقطار العالم بلبنانييها المنتشرين في كل صقعٍ وبلاد، رافعين على جبينهم عنفوان الأرز في لبنان.
بهذا يتماهى لبنان الدولة الصغيرة بدولة الفاتيكان الصغيرة، ويتماهى لبنان الوطن الكبير بوطن الفاتيكان الكبير.
فَلْيَكُفَّ بعض سياسيّينا الجَهَلة عن استخدام عبارة “لبنان الوطن الصغير” لأن الوطن اللبناني أوسعُ حتى من الأحلام، وهذه قوّته التي سماها فؤاد حداد “أبو الحن” قبل نصف قرن “مساحة روحية”. ولا يضير الوطن أن تكون دولته ضئيلة المساحة.
ولنا، كلبنانيين، في التماهي الجغرافي والديْمُغرافي بالفاتيكان، هذه الأيام، وجميع الأيام، خيرُ شاهدٍ على الفارق بين مساحة الدولة ضئيلةً على أرضها، وإشعاع الوطن بعيداً خارج أراضيه، وحتى… آخِر الأرض.