264: لبنان ولبنان… بين النعامة والمحافل الدولية

الحلقة 264: لبنان ولبنان… بين النعامة والمحافل الدولية
(الخميس 24 شباط 2005)

عند أصعبِ أيام الحرب في لبنان وأحلكِها وأشرسِها وأشدِّها تعقيداً، لم تتناول المحافلُ الدولية لبنان كما تتناوله اليوم، ولم تتحمّس لإثارة استقلاله كما تتحمسُ اليوم، ولم تضعْه في رأْس جدول أعمال اجتماعاتها ولقاءاتها ومؤتمراتها كما تُدرجُهُ اليوم.
وعند أصعب أيام الحرب في لبنان وأحلكِها وأشرسِها وأشدِّها تعقيداً، لم يتوحّد اللبنانيون حول وطنهم وترابِ وطنهم واستقلالِ وطنهم ووحدةِ وطنهم، كما هُمُ اليوم متوحِّدون موحَّدون على لبننة الوضع اللبناني وفي إصرارٍ كاملٍ جامعٍ من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، ومن أعلى جباله الى امتداد ساحله، ومن كلِّ جبلِهِ الى كلِّ بيروته، صرخةً واحدة: لبنان اللبنانيُّ القرار والسيادة والاستقلال والحرية التامة.
وهذا ما يفسّر إشاحة الدول الكبرى عن لبنان أيام الحرب حين كان مشرذمَ القرار، متعددَ التيارات بين انتماءات الى هنا وولاءات الى هناك، وهذا ما يفسّر إقبال الدول الكبرى على لبنان اليوم حين أصبح موحَّد الولاء للبنان الواحد، موحَّد الانتماء الى لبنان الواحد، لا ولاء ولا انتماء إلاّ للبنانَ اللبناني القرار.
هنا نحن اليوم إذاً: لبنانُ الشعبيُّ على المحافل الدولية، ولبنان الرسميُّ، كالنعامة: رأْسُهُ في الرمل، يُغلغل في إغماض عينيه ويردِّد أنْ هذا هو قرارُه، ليس مَن يراهُ، وليس من يسمعُهُ، وليس من يرصُدُهُ، فيما هو بات مشرَّعاً على كلِّ مَن يراهُ ويسمعُهُ ويرصُدُهُ على المحافل الدولية.
لبنان الشعب صرخةٌ واحدة: كسرُ بوّابة الباستيل. ولبنان الرسميُّ عنْزة ولو طارت، وعنادٌ واحد: إبقاءُ الشعب مسجوناً داخلَ بوابة الباستيل. لبنانُ الشعب يراه العالم موحَّداً على المحافل الدولية، ولبنانُ الرسميُّ رأْسُهُ في الرمل كالنَّعامة ويتصرَّف كأنْ ليس من يراه.
لبنانُ الشعب على أجندا العالم، ولبنان الرسمي على أجندا الرمل.
و… ذات يومٍ، مَرَّ في بال ديك عنيد، أنه إذا أحجمَ عن الصياح، فلن يكونَ فجرٌ ولن يطلعَ الصباح.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*