الحلقة 263: حين يقف الشعب بين الصمت والسؤال
(الأربعاء 23 شباط 2005)
بعد وِقفتنا أمس الثلثاء: “حين يقف الشعب بين الحزن والغضب”، تطالعنا اليوم وِقفةٌ أُخرى: “حين يقف الشعب بين الصمت والسُّؤال”.
الصمت له وجوهٌ كثيرة. والسؤال له وجوهٌ كثيرة.
من وجوه الصمت: الخوف، القلق، الرعب، القرف، الغضب، اليأْس، الرحيل.
ومن وجوه السؤال: الـ”لِماذا”، والـ”إلى متى”، والـ”مَن”، والـ”ماذا بَعد”؟
والشعب الْمُعلَّق بين الصمت والسؤال، ضائعٌ بين: مَن يتكلّم باسمه، ومن يتكلم عنه، ومن يتكلّم عليه، ومن يتكلّم له، ومن يتكلّم فيه.
هذا النفق الذي دخل فيه شعبُنا، شبحٌ غامضٌ ذو وجهين: وجهٍ مكفهِرٍّ يوحي بطول النفق، ووجهٍ مضيءٍ يُوحي بأن النفق بات في المرحلة الأخيرة، وستنكسر العتمة وينتهي النفق، ويولد الفجر من آخر هذا الليل الطويل.
سيولد الفجر من خلف الصمت والسؤال، الصمتِ المريبِ الرافضِ كلَّ قول، والسؤالِ المفتوح على كل قول، سؤالِ ربّ العمل: الى أين؟ سؤال الطالب: الى متى؟ سؤال المواطن: وماذا بعد؟
عند أوجع مفاصل الحرب الآخرينية في لبنان، طوالَ سبعَ عشْرَةَ سنةً، لم يتعلّق شعبُنا، مثل اليوم، على جلجلة الخوف، ولا شَعَر أنه متروكٌ لوحده في المحراب.
عند أغرب مراحل الحرب الآخرينية في لبنان، طوالَ سبعَ عشْرَةَ سنةً، لم يشهد شعبُنا معظمَ كبارِ رؤساءِ الدول الكبرى في العالم يهتمّون بلبنان، ويضعون لبنان في رأْس جداول اجتماعاتهم المصيرية، وفي مطالع تصاريحهم الى العالم، فيما المفترض أنهم المسؤولون من أهل البيت عن أهل البيت، غارقون في صمتٍ يفتح جميع احتمالات السؤال.
ما أَوجعَ ما يمر فيه شعبنا اليوم، وهو معلّق على صليب الخوف والقلق، لا بين لصين لكن… بين الصمت والسؤال.