الحلقة 254: نفق نهر الكلب ليس في سيبيريا ولا في مَجاهل الأمازون
(الخميس 3 شباط 2005)
حملَت إلينا الصحفُ صباح أمس، صوراً وتفاصيلَ عن ثلاثة حوادث سير على أوتوستراد الدامور – الجية قرب مفرق السعديات، ذهبت ضحيتَها الماديةَ سبعُ سيارات، واقتصرت أضرارُها البشريةُ على جراحٍ ورضوض، وتبيّن أنّ السببَ اندلاقُ كميات مازوت من آليةٍ لم يتنبّه لها شرطة السير ولا تداركَها سائقُها الأرعن.
وقبل أيام، خلال زخة المطر الشديدة التي سببت حوادثَ غير مفاجئةٍ لأننا صرنا بلداً صيفياً فقط ولم يعد جديداً علينا طوفانُ الطرقات شتاءً، حملت إلينا الأخبار نبأَ انزلاق سياراتٍ عند منعطف الدخول الى نفق نهر الكلب بسبب الزفت السائل الذي اندلق من شاحنة متهورة هوت قبل النفق في الصيف الماضي (أكرر: في الصيف الماضي) وانفلش الزفت السائل قبيل النفق مُشكِّلاً مسافة لزجةً خطرة جداً تعرِّضُ السيارات للانزلاق عليها والارتطام بجدار النفق أو الاصطدام بسيارات أُخرى عند الخروج من النفق حيث خسفة في الطريق تتحوّل بحيرة عند المطر، تغرق فيها السيارات حين تنجو من الانزلاق على الزفت اللزج قبيل النفق وفي داخله. وكنتُ أشرتُ الى هذا الأمر مرتين في حلقتين من “نقطة على الحرف”، ولكن، كالعادة، “الرعيان بوادي والقطعان بوادي”.
ولو كان نفق نهر الكلب في مجاهل الأمازون أو في أقاصي سيبيريا لفهمنا ألاّ تسارع دولتنا الجهبوذة الشوساء الى تأهيل طريقه، لأنها بعيدة نائيةٌ لا سيرَ عليها ولا ضغطَ تنقل.
أما أن يكون نفق نهر الكلب في قلب الشريان – لا أقول الرئيسي- بل في قلب الشريان الوحيدِ الواصل بيروتَ بكسروان وجبيل والبترون وطرابلس وعكار، يعني الأوتوستراد الوحيد الذي يسلكه الرؤساء والوزراء والنواب والمدراء العامون المتجهون شمالاً، فهذا أمر لا يعرفه إلاّ المنجّمون الذين أظنهم فشلوا في تخمينِ لماذا يتقاعس المسؤولون عن تأهيل هذه المسافةِ اللزجةِ الخطرةِ القاتلة عند نفق نهر الكلب، ولا يدري حتى المنجّمون كم يجب أن يبلغ القتلى والجرحى من حوادث السير عند نفق نهر الكلب حتى يبادروا الى معالجته.
وبين مازوت أوتوستراد الدامور، ولزوجة نفق نهر الكلب، يتأمل المواطن في بيته مساءً شاشة التلفزيون يتوالى عليها (من غير شَرّ) رؤساء ووزراء ونواب وسائر أفراد بيت بو سياسة، ويتساءل في لحظة هي بين الغضب والقرف:”هؤلاء المسؤولون جميعاً… شو بيشتغلو؟”.