الحلقة 253: حين الشِعر يَهُزُّ عرش الحاكم
(الأربعاء 2 شباط 2005)
تصدَّرَت نشرةَ الأخبار، أول أمس الاثنين، قصيدةٌ قالَها شاعر.
نعم: نشرةُ أخبارٍ سياسيةٌ تحمل عادةً تصاريحَ السياسيين وأخبارَهم وأقوالَهم ومواقفَهم، تصدَّرَها أولَ أمس خبرُ قصيدةٍ قالها شاعرٌ في حكومة بلاده ونَخَرَت وجدانَ شعبه، وتناقلتْها نشرات الأخبار.
نَجم الخبر: حيدر مَحمود، الشاعرُ الأردني الكبير وذاتَ يوم وزيرُ الثقافة، ونَجمةُ الخبر قصيدتُه التي وجّهها الى الحُكْم صوب الحكومة عارضاً مثالبَها، بقسوةِ ما للشِعر من وَقْعٍ وهيبةٍ وسطوة.
بلى: هنا مِحورُ الْمِحور: ما للشعر من وقْعٍ وهيبةٍ وسطوة.
فالحاكم لا تُخيفُه الْخُطَبُ السياسية. الْحاكم يُخيفه الشِعر.
وسطوةُ الشِعر هنا ذاتُ حدّين، فإما يرفعُ الْحاكم أو يَجعله سخريةً على لسان الناس.
وبهذين الْحدّين، يمضي الْحاكم في التاريخ متلطّياً بِهيبة الشاعر فيذكره التاريخ إذ يذكر الشاعر، وربّما كان الحاكم يغيب في مجاهل النسيان لولا شِعرُ الشاعر.
فمن كان سيذكر كافور الإخشيدي لولا الْمتنبي الذي سلخَ جِلدَه بشِعرٍ أقسى من المقصلة حين قال فيه:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيدَ لأنْجاسٌ مناكيدُ
لا يلمَس الموت نفساً من نفوسهم إلاّ وفي يده من نُتْنها عودُ
ومن كان سيذكر من عهد المتصرفية في لبنان، المتصرف العثماني الرابع واصا باشا الذي اشتُهر بِحبِّهِ المالَ وتشجيعِهِ الرشوةَ في أيامه، لولا قولُ الشاعر اللبناني تامر الملاّط في هذا المتصرف:
قالوا قضى واصا ووارَوه الثرى فأجبتُهم وأنا العليمُ بِذاتِهِ
رُنّوا الفلوس على بلاط ضريْحه وأنا الكفيل لكم بِرَدّ حياتِه
بلى: الحاكم لا تُخيفه الْخُطَب السياسية. الْحاكم يُخيفه الشِعر.
الْخُطَبُ السياسية تَمضي، تَعبُر، تُنسى. والقصائد تبقى، تَخرُق، تُحفَظ وتُرَدّدُها الأجيال.
فويلٌ لِحاكمٍ يُخطئُ فيَجْلُدُه لا سوطُ معارضيه، بل شِعرٌ مُقْذِعٌ يقوله فيه شاعر.