الْحلقة 230: قراءةٌ مسبقة في مفكرة العام الْجديد
(الْجمعة 31 كانون الأول 2004)
منتصفَ هذه الليلة، يسلِّمُك سلَفُكَ مفاتيح الزمان، وينطوي الى الغياب، تاركاً لك الساحة ثلاثمئةً وخمسةً وستين يوماً تملأُ بها مفكِّرتَك. فماذا في مفكِّرتِك، أيها العام الْجديد؟
الْمنجِّمون توقَّعوا، خبراءُ الفلَك نظَّروا، مؤلفو كتب الأبراج نشروا، والناس: آمنوا أو صدّقوا أو شكَّكوا أو أشاحوا. فماذا في مفكِّرتِك، أيها العام الْجديد؟
لوطني، خلال أيامك الْمقبلة، استحقاقاتٌ مصيريةٌ يتعلّق عليها مستقبلان: مستقبلُ شباب ينتظرون ماذا سيحصل، كي يعودوا الى أرض الوطن من حيث هم، أو كي يغادروا أرض الوطن الى حيث تَخطَفُهم تأشيرةُ وطنٍ آخر، ومستقبل مواطنين يبقَون هنا موعودين بغدٍ أفضلَ أو يائسين من الواقع لاعنين كلَّ ما وكلَّ من سيوصل لبنان الى الْمفترَق إن لم يكن أيارُ على حجم الطموحات.
ماذا في مفكِّرتِك، أيها العام الْجديد؟ أتكون عتيقاً من أول الطريق، ونسخةً مُخَيِّبَةً أُخرى عن سلفك 2004؟ أم انّك تُهيِّئُ للبنان مساحاتِ أملٍ ورجاء، حتى إذا انكسر الأمل بقي الرجاء؟
واللبنانيون، أيها العام الْجديد، ماذا تُهيِّئُ لهم من جديد؟ وهل جديدٌ لهم وليس أمامهم إلا رتلٌ من السياسيين، هو هو، بوجوهه وأصواته وآرائه ومواقفه، فأيَّ جديدٍ يعطي مَن لم يأْخذ من الْمستقبل قبساً لِحاضرٍ جديد؟
والى متى سيظل اللبنانيون مشلَّعين بين سياسيين موالين يعدون بالتغيير، وسياسيين معارضين يعدون بالتغيير، الفريقان يتناطحان من فوق رؤوس الناس، والناس رازحون، تَحت، بين زخِّ التراشق الكلامي، لا ضمانة لهم لتحقيق ما يقال إلاّ إذا كانت الـ”نعم” صادرةً عن قامة زعيم تاريْخي، أو الـ”لا” صادرةً عن قامة زعيم تاريْخي؟
أيها العام الْجديد: اللبنانيون اليوم بين من يئسوا من الإصلاح، ومن كفروا بالذين يعدون بالتغيير. فاجعل صفحاتِ مفكِّرتِك بيضاءَ كالنيّة البريئة في شعبنا، وعذراءَ كصندوقة الاقتراع أمام شعبنا، عسى يبتعدُ بعض اللبنانيين عن الاستزلام قطعاناً أمام صندوق الاقتراع، والبعضُ الآخر عن الاستسلام لوحدها النية البريئة، فيكون أيّارُ مَحطَّةً مفصليةً ذات معيار حقيقيٍّ لِما يريده اللبنانيون، أياً يكن اختيارُهم الْحُرّ، فيكون استحقاق الوطن أبلغ معيار لاحق لكل استحقاق لاحق.
ولنا عودةٌ أخرى إليك، بعد سنةٍ تماماً، في يومك الأخير. فلا تُخيِّب بصفحاتِك صفحاتِ سنتِنا الْجديدة، أيها العام الْجديد.