الْحلقة 229: كي لا يكون السياسيون عابرين في زمان عابر
(الْخميس 30 كانون الأول 2004)
هل صحيحٌ أنني كنت خارج الْمنطق، في حلقة أمس من “نقطه على الْحرف”، لأنني طالبتُ الدولة بالالتفات الى الإبداع اللبناني، فيما الدولة منهمكة بأمور تراها هي أهم في الظروف الراهنة؟
الظروف الراهنة؟ شو يعني الظروف الراهنة؟ الْحرب انتهت منذ خمس عشرة سنة. فهل الظروف الراهنة هي التحضير للانتخابات وتشكيل الحكومات والبراعة في التعيينات كي تكون على صورة العشائريات والزبائنيات والقبائليات والإيديولوجيات والطائفيات والحزبيات والفئويات والمحسوبيات والمناطقيات وسائر الاحتسابيات السياسية التي تهتم للأمور الصغيرة متوهمةً أنها أمورٌ عظيمة لبناء الوطن، وليسكت الفنانون والمبدعون فالدولة مشغولة بأمور أهم في ظرف راهن؟
لن أذهب بعيداً. ولن أتحدّث عن الدول الكبرى في الغرب كيف تشتغل لنهضة الإبداع توازياً مع العمل السياسي. بل سألتفت الى القريب هنا، الى أعدائنا اليهود، الى ألدّ أعدائنا منذ أول التاريخ. ولن أذهبَ بعيداً في التاريخ فأعودَ الى سنوات تخطيطهم لاغتصاب فلسطين، بل سأعود الى أن إسرائيل، منذ 1948، تاريخِ بداية اغتصاب الأرض بوقاحة الْمغتصب وعهر الْمُحتل، لم تتوقَّف عن الْحروب والتخطيط للحروب والتوسُّع وتزوير الْحقائق التاريْخية والتزام الوقاحة السياسية، ومع ذلك لَم تتوقف الأوركسترات السمفونية عن النهضة الْموسيقية في إسرائيل وخارجها في العالم سفيرةً لإسرائيل في العالم، ولا توقفت فيها الْمسارح ولا توقَّفت الْمعارض الفنية ولا توقفت النهضة الثقافية والإبداعية التي توظِّفها دولة إسرائيل لدعايتها الصهونية الْمضلِّلة، موقنةً أنّ الفنَّ العالي رسولٌ حقيقيٌّ لبلاده، وأفعلُ وقعاً، في الْمواطنين وفي العالم، من كل عمل سياسي راهن أو آني أو عابر.
وعلى قاعدة “إعرِف عدُوَّك”، لا يكفي أن نتابع الغش الإسرائيلي والتزوير الصهيوني، بل أن نعي أنّ بعضَ الدعاية الإسرائيلية في العالم، رعايتُها النهضة الفنية على أرضها وفي العالم.
ومتى وَعَت دولتُنا أن رعايتَها النهضةَ الفنيةَ اللبنانية هي التي تُبقيها وتُجذِّرُها، في لبنان وفي العالم، تكون فعلاً دولةً تستاهل لقب السياسة بِمعنى أن ترسُمَ مستقبل البلاد، لا أن تسوسَ حاضرَها بِما يتناسب مع مصالِحَ سياسييها الذي لا يدركون أنهم يأتون ويذهبون فيكونون عابرين زائلين في زمان زائل عابر.