227: متى بيت آمن للأوركسترا اللبنانية؟

الْحلقة 227: متى بيتٌ آمِن للأوركسترا اللبنانية؟
(الثلثاء 28 كانون الأوّل 2004)

صديقٌ عاد من فيينّا قبل أيام، أخبرني عن فشله طوال أسبوع، في حجز مقعدٍ واحد لحضور أمسية موسيقى كلاسيكية، رغم كثرة مسارح الْموسيقى ودور الأوبرا وبيوت الأوركسترا في تلك العاصمة العظيمة.
ذلك أنّ الناس هناك، من صُلب ثقافتهم اليومية، حضورُ أمسيات الْموسيقى الكلاسيكية للتثقُّف وتهذيب النفس والذوق والروح والسلوك، لأن شعباً يربى على الْموسيقى، ويعيش على الْموسيقى، لا يُمكن أن يتفكَّكَ أو يتقسَّمَ أو ينْزلقَ الى حربٍ أهلية أو آخرينية.
وما كنا نفتح هذا الْموضوع عندنا في لبنان، لو كنا بدون أوركسترا وطنية، ولو كنا مكتفين كما قبل سنوات بأوركسترات نستضيفها بين فترة وأخرى أو في مهرجانات الصيف الكبرى.
أما وعندنا أوركسترا سمفونية، وأُوركسترا موسيقى شرق عربية، أسَّسهما وليد غلمية ومعهما أسّس ويتابع تأْسيسه لِجمهور لبناني للموسيقى الكلاسيكية والْموسيقى الشرق عربية وحتى لِموسيقى الْحجرة، فنشعر بالأسى والأسف لغياب تَخطيطٍ من الدولة بإيْجاد بيت للأوركسترا تعزفُ فيه ويعتادُ اللبنانيون على قصده لأمسياته الْموسيقية.
رضينا أننا لا نرى مسؤولاً في الْحكم، كبيراً أو متوسطاً أو صغيراً، يَحضُرُ أمسيات الْموسيقى الكلاسيكية، ورضينا أنّ الإبداعَ الْموسيقيَّ آخرُ هَمٍّ لدى عباقرة الْحكم عندنا فلا يَهتمون للفن العالي ولا للمبدعين اللبنانيين. ولكنّنا لا نفهم كيف يَجوز، يا دولة، يا هذه الدولة الشوساء، أن ينحشر ألف وخمسمئة شخص في كنيسة الجامعة اليسوعية، بعضُهم جلوساً على مقاعد غير مريحة، والبعضُ الآخر وقوفاً في الْممرات وفي آخر الكنيسة، لحضور أمسية موسيقى كلاسيكية، كما لا نفهم كيف يقصد جمهور كثيف مسرح بيار أبو خاطر لحضور أمسية من الموسيقى الشرق عربية أو موسيقى الحجرة، بعد صالة الأونسكو غير الصالحة للموسيقى هندسةً صوتيةً، ولا يتحرّك أحد لبناء بيت للأوركسترا الوطنية اللبنانية، أسوةً بما تجترحه الدولة الشوساء من ميزانيات وإنشاءات وبنايات وتلزيمات وصفقات، وتبقى أوركسترانا الوطنية مشرَّدةً بين كنيسة ومسرح وصالات مستعارة، ويبقى جمهورها متنقلاً يلحق بها من مكانٍ الى مكان، ينحشر صفوفاً وجلوساً ووقوفاً، وفي جميع الأمسيات لا يَرى بين الحضور مسؤولاً واحداً في الحكم يأتي ليكتشف أيَّ مستوىً راقٍ وعالٍ بات لنا عبر أوركسترانا الوطنية اللبنانية بفرقتيها، بشهادة الكبار من قادة الأوركسترا الذين قادوا أوركسترانا الوطنية.
يا دولة، يا هذه الدولة، متى تُقلعين عن اهتماماتك الصغيرة؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*