الْحلقة 222: من يردع عن طرقاتنا خطر الطائشين
(الثلثاء 21 كانون الأوّل 2004)
حادث السير الرهيب الذي، على طريق خلده/بيروت، أودى الأسبوع الماضي بحياة عائلة بريئة من ثلاثة أشخاص، وبالأربعة الذين كانوا في السيارة الجانية، ليس له إلاّ سبب واحد: فلتان الطريق وغياب رجال الشرطة المولجين، أساساً، بحفظ نظام السير وأمان الطريق.
وقبله على طريق جبيل/حالات، وقبله على طول أوتوسترادنا اليتيم الذي يغيب عنه رجال شرطة السير فينفلت الرعناء الطائشون من شبابنا وراء مقود السيارة بسرعةٍ كبيرة فائقةٍ مجنونة، لا رادع يردعهم، ولا حسيب يحاسبهم، ولا رقيب يراقبهم، فيسببون كارثةً لهم، ومأساةً لسواهم، ويكثر أسوَد الحِداد في البيوت، وتقلّ الثقة بالدولة، وتزداد شتائم الناس على مسؤولين لا ينفكّون منذ عشرات السنين يعظون الناس بالمواقف والخطابات والمواعظ في الديمقراطية والاستراتيجية والمواطنية، وتمتلئ بوجوههم النيرة شاشات التلفزيون كل مساءٍ في نشرات الأخبار، يصرّحون ويتشاتمون، ولا يدركون بأنهم لم يعودوا يقنعون أحداً، لأنهم أصبحوا كالعاهرة التي، أفصح ما تكون، حين تُحاضر في العفاف.
وظاهرة شبابنا الطائشين باتت تشكِّل خطراً حقيقياً على طرقاتنا، لأنهم جيل الحرب وما بعد الحرب، ممن امتطوا سياراتهم ويقودونها غير واعين أن للسير نظاماً، وللسرعة حدوداً، ولقيادة السيارة أخلاقاً، ولمرور أولوياتٍ وأفضلياتٍ وحقوقاً، ولحياة الناس أمامهم وخلفهم وحولهم ثمناً لا يعرفه طيشهم وتهوُّرُهم، ولا تدركه رعونتهم، ولا تحترمه وقاحتهم وقلة أخلاقهم وانعدام أدبهم على الطرقات.
ولكنَّ في جميع بلدان الدنيا شباباً طائشين ورعناء ولامسؤولين، وشبابنا ليسوا وحدهم بهذه الوقاحة. لكنّ في جميع بلدان الدنيا رجال سير يضبطون رعونة الشباب وتهوّرهم وطيشهم، بمخالفات صارمة، ومحاضرِ ضبط موجعة، وعقوبات سجن وإعادة تأهيل ودورات قسرية خاصة بالسير وقوانينه وأخلاقه، وإجراءات تلجم من وقاحتهم وتخفف من أخطارهم على الطرقات.
ولكن… ما دامت طرقاتُنا سائبةً من الرقابة، وشبابُنا المتهورون الرعناء طائشين بلا رهبة من هيبة الدولة، فسوف تظل طرقاتنا عرضة للموت، وسوف نظل نقود سياراتنا معرّضين كل يوم بل كل ساعة، لحادث سير مأْساوي، طالما ليس من يردع عن طرقاتنا طيش شبابنا المتهورين.