الحلقة 176: انطباعات من الصين (الْجزء الأول): مسكينةٌ شانغْهاي: ليس فيها جَلّ بطاطا
(الإثنين 18 تشرين الأول 2004)
عند الوصول الى مدينةٍ عمرانية متقدمة، تتحفَّزُ المقارنةُ بين ما فيها وما عندنا في لبنان، مراتٍ لنعتَزَّ بِما عندنا، ومراتٍ لنغضَب على مَن حكمونا فقصَّروا في جعل ما عندنا يساوي عمران الآخرين.
وصلتُ الى هنا في شانغهاي، المسمّاة لؤلؤة الصين، فقرأْتُ أنّ مساحتها 6340 كلم مربّع، أي نحو ثلثي مساحة لبنان، يسكنها 13 مليون و400 ألف نسمة. وأوّل ما لفتني: شبكة طرقاتها المزهِّرة السريعة المعلّقة، مرةً طريقين ومراتٍ ثلاثةً فوق بعضها البعض، تصل شمال المدينة بجنوبها، وشرقها بغربها، وطريق دائري يلف المدينة، يخاصر الأبنية العالية ويتأفعنُ بينها، فتبقى شوارع المدينة خاليةً من زحمة السير.
لافتٌ آخر، عدا نعومة الطريق طبعاً: مدة الإنْجاز. فدليلتُنا جوليا أخبرتني أنّ كلّ هذه الشبكةِ الطويلة والمخروطية والدائرية، بدأ العمل بها منذ عشر سنواتٍ فقط، أي منذ انفتاح الصين على العالم بعد مطلع التسعينات.
عشر سنواتٍ فقط، ونشبت في مدينة شانغهاي، ثلثي مساحة لبنان، شبكة طرقات نظيفةٍ معبّدة سريعة معلّقة مزهَّرة. عشر سنوات فقط! وعندنا، بعد 14 عاماً على نهاية الحرب، ما زالت طرقاتنا أسوأَ من “جل بطاطا” مليءٍ بالأخاديد والْحُفَر والْمطبّات والتشقُّقات والآبار الْمفتوحة صيفاً والسواقي الْجارية شتاءً. ويعرف ما أقول سالكو طريق جونيه بيروت، وطرابلس الدبوسية، وشتوره بعلبك، وغيرِها وغيرِها من الطرقات التي يا مَحلى “جلالي البطاطا”.
مسكينةٌ شانغهاي: لَم أجِد على طرقاتها جَلّ بطاطا واحداً، هي التي، في عشر سنوات فقط، بَنَت شبكة طرقاتها، ونحن… بعد أربعَ عشْرة سنةً لم نردم جلَّ بطاطا واحداً على طرُقاتنا التعيسة.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، منَ الصين… إليكم بيروت.