الحلقة 173: انطباعات من نيويورك (الْجزء الثالث): الانتظار في الصف للدخول الى الْمطعم
(الأربعاء 13 تشرين الأول 2004)
لا يمكن الدخول الى مطعمٍ، في نيويورك أو في أيةِ مدينةٍٍ أميركية، من دون الانتظار في صفٍ ولو طويل، ولو على حجزٍ مسْبَق، عند منبرٍ مخصص على الْمدخل، حتى تأْذنَ بالدخولِ موظفةُ الاستقبال، فتشير الى أول طاولةٍ تفرَغ.
وهذا طبعاً ليس جديداً علينا في لبنان، لكنه، هنا، شديدُ الانضباط، يقتبله الناس جُزءاً طبيعياً من الْمشهد الدائم، الْمنبثِقِ من احترام الناس لأمرين: الوقوف في الصف ولو طال، واحترام الأولويات فلا واسطة ولا منفوقية ولا تشاوف ولا مَونة ولا استثناء لبابازات الـ”شو أوف” مِمّن تمتلئ بهم بلادُنا بشكل مقرف.
وبات طبيعياً هنا أن الْمطاعم باتت نظيفةً من الدخان، خاليةً من الْمدخّنين، ولم تَعُد فيها ناحيةٌ للمدخنين وناحيةٌ أخرى لغير الْمدخنين. وهذا التعميم بات سائداً في جميع رحلات الطيران، وفي جميع الْمكاتب والأماكن الْمقفلة، مما يَجعل الأجواء نقيةً من اثنين لا يزالان يلوّثان الْجو عندنا في لبنان: الدخان والْحكي في السياسة.
الوقوف في الصف… متى تتعمّم عندنا هذه العادة فيتساوى الْمواطنون في احترام النظام!
احترام النظام… وهذه عبارةٌ أُخرى لا نعرفها في قاموسنا، لأننا اعتدنا على الفوضى والْمعليشية واختراق الشُرْعات والأنظمة واحتمال بابازات ثقل الدم والعناتر وزعماء الأحياء والقبائل.
كلما دخلتُ مطعماً هنا في نيويورك، ورأيتُ الناس واقفين في الصف كي يدخلوا، ورأيتُهم في الْمطعم لا يدخّنون، فكرتُ كم نَحن لا نزال بعيدين بعيدين عن الْخروج من دهاليز العالَم الثالث والثلاثين.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، منَ نيويورك… إليكم بيروت.