الحلقة 167: انطباعات من بُحيرة الليمون – فلوريدا (الْجزء الثاني):
ذيولُ الإعصار أسرعُ من خَرابه
(الثلثاء 5 تشرين الأول 2004)
لم يعُد أحدٌ غافلاً عن أنّ فلوريدا تعرّضَت لأربعةِ أعاصيرَ متتالية: تشارلي، فرنسِس، إيفان، والأخير جين الذي كان لي أن أعيشَ هولَه وويلاتِه وأنا هُنا في فلوريدا.
وصلتُ الى هنا بعد إعصار إيفان بيومين، فلم أُلاحظْ على الطرقات ولا في النواحي آثاراً للأعاصير السابقة، مع أن الإعلام أخبرَنا عن ويلاتٍ سبَّبتْها، وخرابٍ أحدثتْه في بعض مدن الولاية.
ومع اقتراب الإعصار الأخير “جين” تَجنّدَت وسائلُ الإعلام الأميركية، الوطنيةُ عموماً، والفلوريديةُ خصوصاً، لتوعية الناس وتنبيهِهم وتوجيهِهم، مرةً بإحالتهم على الموقع الإلكتروني “نُوَا” الْمخصص للطقس، ومرةً بإرشاداتٍ لوجستية متلاحقة.
وجاء الإعصار “جين”. وعشتُ هنا، على بُحيرة الليمون، في عين الإعصار، جحيماً حقيقياً من العواصف والرعود والبروق والأمطار الأوقيانوسية الرهيبة التي لا يشبهها إلاّ ما قرأْناه عن طوفان نوح، حتى خلْنا الإعصار سيلفُّ البيوتَ ويقتلُعها ويقتلُعنا معه أوراقَ خريفٍ في مهب دوّامته الرهيبة.
في اليوم التالي، وكنا بلا كهرباء ولا هاتف، خرجْنا نتفقّد، فإذا جحافلُ سيارات الإسعاف اللوجستي من هاتف وكهرباء وبلدية، منهمكةٌ في إعادةِ التيارِ وحرارةِ الهاتف، وفتحِ الطرقات وجرفِ الأشجارِ القتيلة والمياهِ الطافية في الشوارع، وإعادةِ اللافتات الخضراء الى نواصي الطرقات، وتشغيل إشارات السير الكهربائية، فلم يأْتِ الْمساء إلاّ والمدينةُ كأنْ لم تعرف الإعصار، وإذا إزالة ذيول الإعصار أسرعُ من الخراب الذي سبَّبَه.
الشاهد هنا، ولا أستطيع إلاّ أن أُقارن: الشاهدُ ما عاينْتُه هنا من مبادرة الدولة والبلديات في أقلَّ من أربع وعشرين ساعة، بإزاء ما نعاينه في لبنان من طرقاتٍ لا تزال مُحفّرة من أيام الْحرب، ومن تيارٍ كهربائي ما زال مَجهولَ الإقامةِ وقد مرّ على نهاية الْحرب أكثرُ من أربع عشرة سنة.
والى اللقاء غداً في انطباعٍ آخرَ من هنا، من بُحيرة الليمون في فلوريدا… إليكم بيروت.