الحلقة 142: خروج ميخائيل نعيمة من الكتاب إلى الصخر
(الثلثاء 31 آب 2004)
بعد كلامي أمس الاثنين عن السياحة الداخلية، يُطِلُّ اليوم تركيزٌ على السياحة الثقافية، ولبنانُ غنيٌّ بها كثيراً. منها، مثلاً، سياحةٌ إلى شخروب ميخائيل نعيمة في جرد بسكنتا. فكثيرون من المواطنين، تلامذةً وطلاباً ومتخرّجين، يعرفون أنّ نعيمة هو “ناسك الشخروب”، ولكنْ… كم واحداً منهم يعرف أين هو الشخروب وماذا في الشخروب؟
قبل عساف عساف، الشخروبُ ناحيةٌ كان يَجلِس فيها ميخائيل نعيمة ويكتب. أما بعد عساف عساف، فالشخروب مكانٌ ساحرٌ ذو صخر شاهق كبير خرج منه رأْس ميخائيل نعيمة بِحجم كبير ضخم، نَحته النحّات المبدع عساف عساف (تعاوناً مع شقيقيه منصور وعارف)، ونَحَت تَحتَهُ، في صخر واطئٍ، باباً مشقوقاً على الحياة، وراءَه يستريح جثمان ميخائيل نعيمة.
لم يعُد المكان صخراً شخروبياً بعلاً، بل بات مَحجّاً مرتَّباً منسَّقاً، وسط الطبيعة الساحرة، قبالتُه صنين بِهَيبته العالية، يُحيط به صمتٌ يَليقُ بالحَجِّ والسكونِ والتأَمُّل، ويسكنه رأْس ميخائيل نعيمة الهائلُ بإزميل عساف عساف، وأمامه ساحةٌ ذاتُ مقاعدَ للزوار يَجلسون عليها ويتأمّلون.
المدارس التي ستفتح أبوابَها بعد أيام، فلتبادِرْ بتنظيم رحلاتٍ لتلامذتِها إلى ساحة ميخائيل نعيمة في الشخروب كي يروا كيف خرجَ رأْسُهُ من الصخر الهائل، ويروا مدفنَه منحوتاً بِجمال وفنٍّ عالٍ فترسَخ في بالِهم صورةٌ إيْجابيةٌ عن أديبنا الكبير، كي لا يظلَّ صورةً في كتابٍ أو معلومةً في دفتر.
سياحتُنا الثقافية، إلى متحف جبران في بشرّي ومتحف أمين الريْحاني في الفريكة وبيت الياس أبو شبكة في زوق مكايل، تبقى سياحةً ثقافيةً ناقصةً إنْ لَم تكتملْ بزيارة شخروب ميخائيل نعيمة حيث رأْسُهُ منحوتٌ في الصخر بِمشهدٍ لا ينساه التلميذ لروعته النحتية، بل ينطبع في باله أثرٌ طوال حياته عن كبيرنا ميخائيل نعيمة.