الحلقة 139: سهرة على شرفة بولس سلامة في بتدين اللقش
(الخميس 26 آب 2004)
مساء السبت الْماضي، كنا معه على موعد، في ضيعته الْجميلة بتدين اللقش.
زرناه على شرفته، حيث كتب نصوص كتابه الرائع “من شرفتي”، زرناه تَحت السنديانة التي جعلها عنواناً لأحد كتبه، وزرناه في غرف بيته الذي كم ذكره في كتابيه “حكاية عُمر”، و”في ذلك الزمان”، وزرناه في حديقة بيته التي استقبلت مساء السبت عشرات مُجايليه وأصدقائه وعارفيه، وابنه رشاد، وكنّتَه ماري، وحفيديه سامر وبولس، وأولادهما، وحلقةً أدبيةً وفكريةً واجتماعية تكوكبت حولنا ونَحنُ نقرأ من شعره والنثر، في تلك الأمسية التي نسَّقها الْمخْلِصان الدكتوران منصور عيد والياس القطار، وقدّمتها لَجنة “الأوديسيه” وختمتْها الدكتورة زينة سلامة القطار، فيما يُحوِّم حولنا طيفه، مرةً متكئاً على عصاه، ومرةً جالساً يُنصت في نوستالْجيا التذكار، ومرةً متنهّداً على زمنٍ مضى، أيام كان بيتُه في بتدين اللقش مزاراً ومَحجّاً ومقصد أهل الفكر والشعر والإبداع.
في تلك الأمسية، لِمرور ربع قرنٍ على غيابه، كان بولس سلامة حياً بيننا، نابضاً بنثره والشعر، بأدبه الْحيّ الْمسلوخ من تَجربته الْمعيوشة بين الآخ والآه، بين سريرٍ صار منه فلم يعُد خشبياً، وبين إطلالاتٍ على الأدب العالي بأُسلوبٍ هو من قمم الكتابات.
تلك الأُمسية، السبت الْماضي، لم تكن إحياءً لبولس سلامة وحسْب، بل للأدب اللبناني الذي يَجمُل بِكُتُب الْمدارس أن تقتطف منه للتلامذة، وبالصحافة الأدبية أن تستعيده قراءةً واستطلاعاً، وبالْمشرفين على الأُطروحات توجيهُ طلابهم الى هذا الأديب الذي نسيجُه فريدٌ في الأدب، وشعرُه أهدى الى أدبنا الْملحمة التي لولاه لكنا نفتقر إليها، لأنها فنٌّ صعبٌ لم يَجرؤْ على مقاربته شاعرٌ كما قاربه بولس سلامة.
تلك الأُمسية في بتدين اللقش، كان بولس سلامة معنا، فليبقَ دوماً معنا كلّما سأل باحثٌ عن موضوع، وكلما وضع مؤلف كتاباً عن الأدب اللبناني، وكلما استعدّ مُعِدُّ برنامجٍ لتحضير حلقاتٍ عن أعلام الأدب اللبناني العالي، مناراتٍ على شرفة الْمستقبل، وفي عليا هذه الْمنارات، كبيرُنا بولس سلامة.