* الْحلقة 137: الاستخفاف باللغة إعاقة عقلية
(الثلثاء 24 آب 2004)
لامني أصدقاءُ على حلقتَي الْجمعة الْماضي وأمس الاثنين، وفيهما لفتةٌ الى الاستخفاف باللغة في التسجيلات الْهاتفية وفي قراءات الْمذيعين والْمذيعات، حتى أن أحدهم قال بعصبية: “ولو… ضاقت في عينِكَ فتحةٌ في غير مكانِها، أو كسرةٌ بدل الضمّة في كلمة مذيع، أو نصْبُ فاعلٍ أو جرُّ مفعولٍ به في كلام مذيعة”؟
أواجه هذا الصديقَ وكلَّ مستمعٍ إليّ الآن يرى ما رأى هذا الصديق، فأسأل: هل يرضى فرنسيٌّ أو فرنكوفوني بأن يسمع مذيعاً أرعن يقول le lune بدلاً من la lune، أو مذيعةً شوساء بلهاء تقول la soleil، بدلاً من le soleil ويبقى حيادياً ويقول: “لن تضيق في عينيle في غير مكانها، أو la تقالُ خطأً؟
أو: هل يرضى أميركي أو إنكليزي أو أنكلوفوني أن يسمعَ مذيعاً أبله يقولhe go بدلاً من he goes، أو مذيعةً أمِّيَّةً جاهلةً تقول I thinked بصيغة الْماضي بدلاً من I thought، ويبقى حيادياً فيقول: “بسيطة، إنها هفوةٌ في اشتقاق صيغة الْماضي من الفعل الْمضارع”؟
قد يقول قائلٌ إن الفرنسية أو الإنكليزية هي أيضاً لغة مَحكية ينشأ عليها الأطفال فيكتبونها صحيحةً لأنهم يَحكونها صحيحة، بينما العربية لغةُ كتابةٍ ينطق الأطفالُ بغيرها عندما يتكلّمون. وهذا صحيح. لكنّ لغة الكتابة هي أيضاً لغةُ تَواصُلٍ يسمعها الأطفال ويتعلمونها ويكتبونها، وتالياً عليهم أن يتقنوها. فلا نستسْهِلَنَّ خطأً ونقول: “لا يضيقنَّ في عينِك فاعلٌ منصوبٌ أو مَجرورٌ مفتوح”.
وطالَما العربيةُ لغتُنا الإعلامية، فلنتقنِ استعمالَها، لأن “الْمعليشيةَ” في التهاون مع لسان اللغة، تعكُس “معليشيةً” في التعامل مع العقل والتفكير، تؤدي الى استهانةٍ لا باللسان بل بالعقل والتفكير. وما أتعسَ أمّةً تستهينُ بعقلِها، لأن الإعاقةَ الْجسديةَ أهونُ بكثيرٍ من الإعاقة العقلية، وما أتعسنا جميعاً أن نكون أمّةً يتعامل معها العالم على أنها ظلَّت تستهين بلسانها حتى أصبحت أمّةً… معاقةً عقلياً.