* الْحلقة 136: الْخطأُ في الإعلام أخطر من الْخطإ في الْمدرسة
(الاثنين 23 آب 2004)
بعد حلقة الْجمعة الْماضي عن الأخطاء اللغوية في التسجيلات الْهاتفية، تقاطرت عليَّ اتصالاتُ الأصدقاء مُثْنين على إثارة هذا الأمر، ومُشدِّدين على ظاهرةٍ أخطرَ من الأخطاء في التسجيلات الْهاتفية، هي الأخطاء اللغوية التي يرتكبها الإعلام الْمسموع والْمرئيّ، لأنها، كما قال كبيرُنا أنطوان ملتقى في اتصاله، أخطرُ على النشء الْجديد الذي يصدِّق مذيعاً أو مذيعةً ويتأثر بلفْظِ مذيعٍ أو مذيعة، أكثرَ مِما يتأَثَّرُ بالْمعلِّم أو الْمعلّمة في الصف، وتالياً قد يرى أنّ ما سَمِعَهُ من الإذاعة أو التلفزيون صحيح، ولو سمع من الصف أنّ هذا خطأ.
بلى: صوتُ الإعلامِ، مسموعِهِ ومرئيِّه، أقوى تأْثيراً في النشء الْجديد من صوت الْمعلّم أو الْمعلِّمة في غرفة الصف. من هنا ضرورةُ أنْ يكونَ في كلٍّ من مؤسساتنا الإذاعية والتلفزيونية مراقبٌ ضالعٌ في اللغة، يدرِّبُ الْمذيعات والْمذيعين على القراءة والتشكيل واللفظ ومَخارج الْحروف، لأنهم أفعلُ في الناس، وأفعلُ في تلامذة يُمضون ساعةً في النهار مع الْمعلم أو الْمعلمة بينما يُمضون مع أجهزة الإذاعة والتلفزيون ساعاتٍ طويلةً يتلقَّفون منها، وعييّاً أو لاوعييّاً، ما يقالُ وكيف يقال.
لستُ أدري إن كان هذا الأمر يدخل في صلاحيات الْمجلس الوطني للإعلام الْمسموع والْمرئي، أم ان دورَه يقتصر فقط على الاجتماع كلما وقعت مشكلة، وهيهاتِ أن يكون صوتُه مسموعاً أو رأيُه فاعلاً. لكنني أتمنى أن يدخلَ في صلاحياته أمرُ مراقبةِ النصوص وقراءتِها، فيتدخّل لتصويبِ الأخطاء أو، وهنا الأهم، لتلافيها، لأن وقوعَ مشكلةٍ لإذاعة أو تلفزيون، أمرٌ آنيٌّ يعالَج وينتهي، بينما اغتيالُ الإعلامِ اللغةَ في وعي النشء الْجديد، أمرٌ يقع كل يوم، بل كلَّ ساعة، ويوقع ضحايا كلَّ يوم بل كلَّ ساعة، وتَجب معالَجتُهُ اليوم قبل الغد، وإلاّ فنحنُ ننشئُ بإعلامنا جيلاً يربى على الْخطأ، ويا ما أتعسنا أن نكون نربي جيلاً يتعامل مع لغته الْمكتوبةِ باستخفافِ ما في معظم برامِجِنا الإذاعية والتلفزيونية من خفةٍ واستخفاف وتَخفيف مستوى، وما أتعس أن يكون لنا غداً جيلٌ من الْمستخفّين.