الحلقة 113 – حين يتحول العرس عقوبة للمدعوين
(الأربعاء 21 تموز 2004)
يدعوك أهل العريس أو أهل العروس الى حضور حفلة زفاف ولدهم أو ابنتهم. تلبس صبرك وتهذيبك وتذهب. القاعة كبرى لكن الْمدعوين كثيرون. تفترض أنّ الْجو سائغٌ مريح. لا تَجد شيئاً من هذا. فصوت الْموسيقى يُدمّرُك، لأن الْمسؤول عن الصوت لا تكتمل رجولته إلاّ إذا رفع مستوى الصوت حتى الْجعير.
ثم، تسمع ضجيجاً: وصلت العروس، تتقدّمها الزفة باللباس البدوي وزعيق الْمجوز وفوضى الْمهوبرين. ومن قال إن هذه الظاهرة النورية البدوية هي في تراثنا وفولكلورنا وتقاليدنا اللبنانية؟
يتواصل الْمشهد بالدخان الْخارج من آلة خاصة ببث الدخان، يتختلط دخاننها فوقك بدخان الْمدخنين حولك الى الطاولة، فتغمر صحونَ الطعام أفضلُ أنواع الْميكروبات والْجراثيم واللهاث النتِن تمتصه حين تتناول طعامك بغبطة الْمدعو الى حفلة عرس.
يتواصل الْمشهد بانتقال الْمدعوين الى حلبة الرقص على أغاني النَّط والهز والفز. وتكريماً للعروسين والْمدعوين الكرام، يؤتى بمطرب حنشليل يضع الْميكروفون في نص دين بلعومه وينطلق في الْجعير مستأْنساً بضرب الطبول وآلات القرع وْخبيط يضرب منك القلب والأعصاب والشرايين، وتلعن الساعة التي لبيت فيها دعوة أصدقائك من أهل العريس الأشوس أو العروس الشوساء.
ذات يوم، دعيتُ الى عرسٍ لابن مسؤول كبير في الدولة. ومع أنه لبناني جداً، ومتعصب جداً للتراث اللبناني، أمضينا السهرة نستمع خفيضاً الى صوت موسيقى موزار وفيفالدي وشتراوس، ميلودياتٍ جعلت العرس حضارياً أكثر وهانئاً أكثر، وحولنا شموعٌ مضاءةٌ بصمتٍ جميل، وحلبة الرقص هادئةٌ سائغةٌ تجعل العرس فرحاً للجميع.
وانتهى العرس بدون ضجيج موسيقى تزعج الْحاضرين، ولا جعير مطرب يزعج الأعصاب، ولا ألعاب نارية تزعج سكان البلدة. وخرجنا ونَحن نتمنى أن يكون هكذا كلُّ عرس، وإلاّ انقلب العرسُ عقوبةً للمدعوين.