الحلقة 90: طرقاتنا لسياحة الصيف أم صحارَى للخطر؟ (الْجزء الخامس)
(الْجمعة 17 حزيران 2004)
فيما اتصل كثيرون من الأصدقاء مؤيدين حلقات هذا الأسبوع، وجميعها حملت عنواناً واحداً: ” طرقاتنا لسياحة الصيف أم صحارَى للخطر؟”، اتصل آخرون يلومونني لكشفي مثالبَ على طرقاتنا قد تكون سلبيةً ولا تساعد في تشجيع السياح.
غريبٌ هذا الأمر: يعني كأنَّ الْمطلوبَ السكوتُ عن التجاوزات كي نستدرج السياح يأتون ونتركهم بين طرقاتنا المفخخة بالخطر، مرة لأنْ ليس فيها بوليس سير، ومرةً لأن السائقين لا يتقيّدون بالإشارات، ومرة لأن بوليس السير لا يقوم بحزم واجباته فيردع المخالفين والرعناء من السائقين الطائشين، ومرات لأن طرقاتنا سائبة متروكة لأخطار الحجر والبشر.
أما أنني سلبي النظرة، فليست السلبية عادتي. إنما الاعوجاجُ أن أراه فأدُلَّ عليه، وأن يكون صوتي في هذا البرنامج صوتَ جميع الذين يعاينون ويعانون يومياً هذه التجاوزات، لكن صوتهم لا يصل فيكونُ صوتي صوتَهم الى نداء الْمسؤولين كي يكونوا مسؤولين، والْمقصرين كي يعوا أنهم مقصرون، والْمواطنين كي يعرفوا أن الإذاعة ليست وسيلة ترفيه بل هي صوت صارخ لضمير المواطنين في رفع صوتهم الى الْمسؤول.
طبعاً: نريد أن يكون موسمنا السياحي ناجحاً. فالسياحة بترولنا الحقيقي. ونقدّر تماماً ما تقوم به وزارة السياحة من جهد مشكور ضمن إمكاناتها الضئيلة الْمتاحة لها في موازنة الدولة. ولكن وزارة السياحة لا يمكنها أن تحلَّ مكان وزارات أخرى عليها أن تتحرك هي الأخرى كي تجعل موسمنا السياحي ناجحاً، فالسائح لا نجذبه بتفاحنا حسب، ولا بمناخنا العليل وحسب، ولا بواحاتنا الأثرية وحسب، بل نجذبه بما عندنا من نظامٍ تفرضه هيبة الدولة، وسهرٍ على سلامة الطرقات تؤمنه هيبة الدولة، ومراقبةٍ لتجاوزات السائقين الطائشين تردعها هيبة الدولة.
لبنان السياحة لا نعمّره بأغاني فيروز وحسب، ولا نزيد ثروته السياحية بنشر مناظره الرائعة على شاشات الإنترنت وحسب، ولن يتكاثر سياحه عاماً بعد عام إلاّ إذا أدرك السائح أنه محترَم وآمن وسالم في بلدٍ رأسُ مزاياه النظامُ والحزمُ في تطبيق النظام، ونظامُ السير والطرقات والقيادة، أكثر ما نحتاج الحزمَ فيه عشيةَ هذا الْموسم السياحي.
ومتى تأَمّن ذلك، يمكن أن يردد السائح وهو عائد الى بلاده: “تحت السما ما فيه متل لبنان”.