الحلقة 84: قلة الذوق المحمول في موسم اللوز والفُول
(الْخميس 10 حزيران 2004)
تلومني صديقة غالية على تكرار كلمة “وقح” و”وقاحة” في تعليقاتي الصباحية “نقطه عَ الْحرف”، معتبرةً أنّها ليست كلمة “جمالية” ولا تليق أن يستعملها شاعر. وقد يكون معها حق، هذه الغالية، حين أكتب شعراً أو ألقي خطبةً أدبية، لكن هذا البرنامج الصباحي، مهمتُّه أن يكون “عيناً” تراقب، وقلماً يدوّن، وصوتاً يعبّر عما شاهدته العين ودوّنه القلم، ولا يمكن تخفيف الكلمة القاسية حين يستحقها الْمخالِف أو قليل الذوق، أو… الوقِح.
فكيف تريدين، أيتها الغالية، أن أصف الْمواطن الأشوس الذي يقود سيارته الفخمة النظيفة الْخارجة لتوّها من مغسل الْمحطة، حدّه على الْمقعد كيس كبير من اللوز الأخضر أو الفول الأخضر، وهو يأكل بيدٍ، وبالأخرى يرمي قشر اللوز أو قشر الفول على الطريق من شباك سيارته الْمفتوح؟
وكيف تريدين أن أسمّي الْمواطن الْهذوب الذي يتناول آخر سيجارة من علبة الدخان، ويرمي العلبة الفارغة على الطريق من شباك سيارته الْمفتوح؟
وماذا تريدينني أن اقول في مواطن ينهي التمتّع باستنشاق سموم سيجارته ثم يرمي عقب السيجارة على الطريق من شباك سيارته الْمفتوح؟
وبِمَ تريدينني أن أصف أمامي مشهد “مَدام”، وهي في كامل أناقتها وأُنوثتها، ترمي من شباك سيارتها مَحرمةً ورقية أو قشرة موز، أو بقايا بزْر كانت تتسلى به بين أظافرها اللماعة، أو حتى تشارك بعلَها الأشوس بأكل اللوز الأخضر والفول الأخضر ولا ترى ضيراً من رمي نتائج اللوز والفول من شباك السيارة المفتوح، أو ربما يكون الشباك مقفلاً كي تبورد الْمدام بالْمكيف، فتفتح الشباك خصيصاً لترمي بيديها النظيفتين قشر اللوز والفول.
لا يا غالية. أحب أن أحترم رغبَتَكِ بتخفيف اللهجة والتعابير، لكنني لا يُمكن أن أقسو على الدولة لأنها شخص معنوي، ولا أقسو على الْمواطن لأنه شخص مادي. فالدولة ليست تحت قلمي مكسر عصا، بل هي مظلتُنا جميعاً، وعلينا نحن أن نكون على مستوى أن نستاهل دولة حضارية نبنيها نحن، لا السياسيون، نحن كمواطنين نتمتع بِحدّ أدنى من التهذيب والتربية الْمدنية، لذلك لن أردع قلمي عن تسمية الصفات كما هي، عن مواطنٍ معه كومبيوتر مَحمول، وهاتف مَحمول، وفاكس مَحمول، ومعه كذلك قلّة ذوق مَحمول حين يتواقح فيوسخ طرقاتنا في موسم اللوز والفول.