الحلقة 66: شبابنا الجامعيون… والشغل في المطاعم
(الاثنين 17 أيار 2004)
بكل تهذيبٍ يمرون بين الطاولات، وبكل تهذيب يخدمون زبائن المطعم أو المقهى، يتحمّلون التعب والسهر والوقوف الطويل، يتحمّلون خدمة الناس الذين ينظرون إليهم غالباً نِظرةً فوقية، وأحياناً ينهرونهم بأوامر مزعجة، ويتمرجلون عليهم كأنهم خُدّام لديهم، ويزاولون عليهم ثقل الدم والسماجة، فيما هؤلاء الشباب يحافظون على تهذيبهم وخدمتهم بكل انصياع.
وحين نعرف أن معظم هؤلاء الشباب جامعيون، يشتغلون في المطاعم والمقاهي ليلاً، ليحصِّلوا معيشتهم ورواتب جامعاتهم، ويذهبون نهاراً الى صفوفهم لتحصيل العلْم، نُكْبِرُ فيهم هذه العصامية التي تميّزهم عن أترابٍ لهم مخروعين بغنج الأهل وترف حياة توفّر لهم سيارةً وخلوياً وكل ما يتيح لهم أن يضيعوا وقتهم وعمرهم على تفاهات.
وكم نعتزّ بهم، هؤلاء الشباب الذين لا يستحون من العمل في المطاعم والمقاهي، لتحصيل معيشتهم وعلْمهم، في وطنهم، بإزاء أترابٍ لهم جامعيين يرفضون هذا النوع من العمل في لبنان، ويفضّلون عليه السفر الى الخارج، وهناك، في الغربة، يرتضون أن يشتغلوا في المطاعم والمقاهي، فيكونون غرباء مرتين: عن الناس وعن وطنهم. وتبلغنا أخبار كثيرةٌ عن شباب لبنانيين يعملون في المهاجر على محطات الوقود وفي السوبرماركات والمطاعم والمقاهي، ويرفضون أن يقوموا بهذه الأعمال في وطنهم.
شبابُنا وصبايانا من الذين يشتغلون في المطاعم والمقاهي، فليتأكّدوا أننا نحترمهم مرتين: أولى لأنهم يشتغلون بشرف اللقمة المغمّسة بالكرامة، والأخرى لأنهم ارتضوا أن يعملوا في وطنهم، وألاّ يهاجروا عمالاً غرباء في وطن الغرباء.
صبايانا وشبابنا الذين يشتغلون في المطاعم والمقاهي، بأجور متدنّيةٍ جداً، فلْننظر إليهم بعد اليوم نِظرة تقدير، ولْنَعِ أنهم أبناؤُنا الذين بهم نفخر، وإليهم نرنو بناةً صنعوا مستقبلهم بيدهم لبناء الوطن.