الحلقة 62: الحزينة صور بآثارها الْمُهْمَلة
(الثلاثاء 11 أيار 2004)
كنتُ السبت مدعواً الى ندوةٍ أدبية في صور. غير أنني أصررتُ على الْمرور بالآثار، لسببين: الأول أن أَشعر بِهيبة مدينتنا العظيمة الواضعتِنا في التاريخ على الصفحة الأُولى من كتب التاريخ، والسبب الآخر كي أرى حال الآثار التي زرتُها قبل سنتين وكانت في وضع مؤسف.
وإذا النتيجة مثلما كنتُ خائفاً أن أرى: إهمالٌ في حماية الآثار وفي إبراز عظمة هذه الآثار العظيمة.
فلا دليلَ سياحياً يشرح للزوار عظمة هذه الآثار، ولا دليل كتابياً على لوحةٍ معدنية أو كتابةٍ مَخطوطةٍ تشير الى هذا الأثر أو ذاك وتاريْخِهِ وأهَمّيتِه، ولا نظافةَ بين النواويس والأعمدة والقناطر والأنصاب والأقواس، ولا أثرَ لِحمايةٍ بينها أو نظافةٍ أو رعاية، ولا زوّارَ سوى أفرادٍ متفرّقينَ هنا وهناك يَمرُّون غرباء بين أحجار غريـبة، كأنَما آثارُ صور واحةٌ لسياحةِ الترف والتسلية والعشاق، كأنها ليست واحدة من أعظم الواحات الأثرية في العالم.
وما يراه الزائر أو السائح، ليس سوى أحجارٍ متراكبةٍ في فوضى، ونواويسَ منقولةٍ من أماكنها ومتجانبةٍ في فوضى، وأعمدةٍ مرمَّمةٍ بِحجارةٍ حديثةٍ في فوضى، وكتابةٍ قديمةٍ على النواويس ليس من يَفهمُها أو يعرفُ معناها وقيمتَها، تُخالطُها خربشاتٌ رعناء من طائشين شوّهوها في فوضى لأنْ ليس مَن يُحاسب مسبّبِي الفوضى. وقد ينفطر قلب السائح لرؤيته كساسيرَ نواويس لم تبق منها سوى نُتَفٍ من أصابعِ أقدامِ أطفالٍ منحوتةٍ بِما ولا أروع، وكُسِّر الباقي أو نُهِب، وما لم يُنْهَب مَحلياً أكمل عليه الْهنودُ الْحمرُ من مغول اليهود أيام احتلال الْجنوب.
أخرجُ من واحة الآثار في صور، ينقبض قلبِي من حزنٍ وأسى. فعوضَ أن أنْحني إجلالاً لِهذه الآثار العظيمة في مدينتنا العظيمة، خرجتُ أشعر بالإشفاق على ذهبِ التاريخ مرمياً على قارعة الإهمال بفوضى فاحشة، في واحةٍ لو تستصلحُها الدولةُ سياحةً ثقافية لاستقطبت الناس من آخر الدنيا، ولشكَّلت للدولة مورداً سياحياً كبيراً أين منه موردُ أيةِ واحةِ آثارٍ أو سياحةٍ في العالم.
لكنّ الكتابة عن الْحزن شيء، ومشاهدةَ آثار صور، شيءٌ آخر.
ومن له أذنان قارئتان، فليذهب الى صور.