الحلقة 58: رُكاب الصف الأول والتهافُت على المقاعد الأمامية
(الأربعاء 5 أيار 2004)
يصلون غالباً قبل الوقت قليلاً، كي يضمنوا أن يجلسوا في الصف الأول.
أو يصلون متأخرين قليلاً كي يراهم الجميعُ وصلُوا وهُرع أصحابُ الدعوة كي يصطحبوهم معززين مكرّمين الى الصف الأول.
وغالباً ما يكون الصف الأولُ امتلأَ بمقاعده المخصصة للرسميين ومن يفرض البروتوكول أن يكونوا في الصف الأول، فيضطر أصحاب الدعوة، مُحرَجين، الى إضافة كراسٍ زائدة من هنا وهناك يضعونها على الحواشي وفي الزوايا محشورةً، إنما لا بأس، فهي محسوبة أنها… في الصف الأول.
والمزعج في هؤلاء، ركاب الصف الأول، أنهم يصلون متأخرين، ويكون على المنبر خطيب، فيزعجون الجمهور بوصولهم، والخطيب بجلوسهم، ولا يرعوون غالباً عن مصافحة من يصادفون ويتبادلون التحيات مع بعض الجالسين في الصفوف الأمامية، كل هذا والخطيب على المنبر، والجمهور ينتظر انتهاء هؤلاء الركاب، ركاب الصف الأول، حتى ينتهوا من مجاملاتهم التي تضاف سماجتها الى سماجتهم في الوصول متأخرين وفرض أن يكونوا دائماً في الصف الأول.
نفهم أن يفرض البروتوكول مقاعد في الصف الأول لرسميين يصلون غالباً على الوقت محترَمين فيجلسون مكرّمين في مقاعدهم.
انما الباقون من ركاب الصف الأول، فيصلون متأخرين، أو على الوقت إنما يصرون على الجلوس في الصف الأول، بحجة أنهم يمثلون فلاناً، أو انهم ذوو مناصب أو مسؤوليات أو مهمات أو ألقاب لا علاقة لها مطلقاً بـبروتوكول الجلوس في الصف الأول.
وإذا لم يوجِد لهم أصحاب الدعوة مقعداً في الصف الأول، حردوا، وصاحوا، وانصرفوا غاضبين، لأن قيمتهم، كلَّ قيمتهم، ليست في ما يمثلون بل أحياناً في من يمثلون، ودائماً قيمتهم في أنهم يجلسون في الصف الأول.
فيا تعاسة مَن قيمتُهم، كل قيمتهم، ليست في ذاتهم أو مؤلفاتهم أو إنجازاتهم، بل في أنهم، حيثما يذهبون، وأنى يحضَرون، يفرضون أن يكونوا، لا في المقاعد الأمامية، فهذا يُنقص من قيمتهم العالية، بل في أنهم يجلسون، أو يفرضون أن يجلسوا، في الصف الأول.
ويا ليتهم يعلمون، كم هم مضحكون، وكاريكاتوريون، وكم الناس صورتهم يلوكون، حين بعد اليوم أمثالَ هؤلاء سيسمّون: ركّاب الصف الأول.