الحلقة 48: كنيسة كفرنبرخ بحجارة الدروز
(الأربعاء 21 نيسان 2004)
في قصر الأونسكو، منذ يوم أمس الثلثاء، معرضٌ لافتٌ للفنان اللبناني العالمي وهيب بتديني، العائد من الولايات المتحدة بتكريس دولي لأعماله. وفي افتتاح الْمعرض، أعلن عن قرب افتتاح متحفه التشكيلي في بلدته كفرنبرخ، حيث أنشأ صرحاً كبيراً ليستقبل أعمال الفنانين اللبنانيين ويكونَ في قلب الشوف متحفٌ لكل لبنان في كفرنبرخ.
بادرةٌ رائعةٌ من فناننا الكبير وهيب بتديني، وإن تكن ليست جديدةً على بلدته كفرنبرخ، إذ سبقتها منذ شهر تماماً بادرة نبيلةٌ أخرى فيها من بتديني آخر.
فنهار الجمعة 19 آذار 2004، قرأْنا في الصفحة 8 من جريدة “النهار” خبراً يفيد بأن ابن كفرنبرخ وليد بتديني قدّم الْحجارة الْمقصوبة في تصوينة بيته، مساهمةً منه في إكمال بناء كنيسة كفرنبرخ التي يعود بناؤها الى مطلع القرن العشرين، أي نحو مئة سنة.
وتسلّمت لجنة وقف الكنيسة بادرة وليد بتديني، مقدِّرَةً إياها رمزاً ساطعاً على رغبة أهالي قرى لبنان بالعودة الى قراهم أو بانتظار عودة من لم يعودوا بعد، من مهجَّرات مؤقتة شردتهم إليها حرب آخرينية على لبنان، كان بعض سياسيينا وقوداً لها أو أدوات، فجعلوا محازبيهم وأنصارهم وأزلامهم كذلك وقوداً لها أو أدوات.
غير أن لبنان ليس أبداً هذا، لبنان الذي قام من جراحه ويقوم من نكباته، كلما انزاحت عنه موجةُ الغرائز الدينية والعصبياتِ القبلية والعشائرية، وكلما عادت إليه أصالةُ شعبه الطيب.
ولذا نرفض بشدةٍ قاموس السياسيين الذين يقولون بـ”العيش الْمشترك” أو بـ”التعايش”، لأن الْمشترَك يكون بين اثنين، ونحن شعب واحد، والتعايش يكون بين أكثر من اثنين، ونحن لسنا أكثر من شعب واحدٍ موحدٍ متوحِّدٍ بالْمصير والرجاء.
إن الدرزي وليد بتديني، بتقديمه حجارة بيته لبناء كنيسة كفرنبرخ، جوابٌ ساطع عن جبل لبنان الذي قال فيه فخر الدين العظيم: “ما بعمّر الدير إلاّ من حجر عكار”.
وعلى غرار بادرة وليد بتديني في كفرنبرخ، قصة أخرى جرت، في السياق نفسه، أتركها لحلقة غدٍ الْخميس، وفيها كذلك صورة ناصعة عن لبنان العيش الواحد.
العيش الواحد، قلت، لا التعايش ولا العيش الْمشترك.