47: لماذا الطلاق في لبنان بين السياسيين والموسيقى؟

الحلقة 47: لماذا الطلاق في لبنان بين السياسيين والموسيقى؟
(الثلثاء 20 نيسان 2004)

قلتُ في حلقة أمس الاثنين عن أمسية الْموسيقى الكلاسيكية التي قدّمتها الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، إن غائباً لافتاً كان ينقص حضوره تلك الأمسية، ووعدْتُ أن أحكي عنه اليوم.
هذا الغائب، هو رجل السياسة، الذي يهرع الى الْمأتم والعرس والتهنئة والتعزية وحضور الْمناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية والسياسية، ولا نراه في مسرحية أو مُحاضرة أدبية أو أمسية شعرية أو فيلم لبناني، أو معرض لوحات، أو أمسية للأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية أو للأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية.
وإذا شئت لا أُعمّم، أقول إن السياسيين الذين رأيتهم يَحضرون أمسية موسيقية للأوركسترا السمفونية أو الشرق عربية، لا يتجاوزون أصابع اليدين الاثنتين طوال خمس سنوات من عمر كل أوركسترا.
ولو… نفهم أن يكون واحدهم مشغولاً مرةً، مرتين، عشراً، عشرين مرة، ولكن الأمسيات الْموسيقية بين كلاسيكية وشرق عربية وموسيقى حجرة، بلغت منذ انطلاقها قبل خمس سنوات نَحو ثلاثمئة أمسية. أفلم يَجد رجل السياسة عندنا أمسية واحدة يصطحب زوجته إليها، على الأقل كي يراه الناس ويُسَروا أنّ بينهم سياسياً يتذوّق الْموسيقى، وهذا مؤشر حضاري ثقافي راقٍ يعتَزُّ به كل سياسي؟
بين السياسيين عندنا كبار الْمحامين والأطباء والقضاة والْمهندسين والْمثقفين والْجامعيين، أَتُراهم لا يَحسبون أن يسألَهم سائلٌ رأيهم في الْمسرح اللبناني أو السينما اللبنانية أو الفن التشكيلي اللبناني أو الكونسرفاتوار اللبناني؟ أم تُراهم يفترضون أن السائل لن يسألهم إلاّ في السياسة وأحوال الوطن باعتبارهم قيمين على مصير الوطن وعارفين جداً بشؤونه، ولن يسألهم سائل عن أمور ثانوية هامشية كالثقافة والفن والإبداع في لبنان؟
لا نفهم. فعلاً لا نفهم. وربما الأفضل ألاّ نفهم، وأن نمضي في بناء لبنان الثقافي، بعيداً عن لبنانٍ سياسي آني تتغير خارطته الْجيوسياسية بين انتخاب وآخر، بين تَحالفٍ وآخر، بين عهدٍ وآخر، بينما لبنان الثقافي باقٍ لا يتغيّر، ويشُع في العالمية والإبداع، لأنه وجه لبنان الثابت الدائم.
وللمناسبة: الليلة الثلثاء، في الثامنة مساءً، وفي مسرح بيار أبو خاطر من الجامعة اليسوعية، كلية العلوم الإنسانية، طريق الشام، أمسيةٌ خاصة بقيادة الوليد غلمية، يقدّمها الكونسرفاتوار اللبناني تذكاراً لكبيرنا الراحل زكي ناصيف، بمعزوفات من تأليفه وأغنيات من الْحانه. فهل السياسيون الذين تهافتوا الى مأتمه والتعزية به، فقط هؤلاء، يَجيئون الليلة لِحضور هذه الأمسية التي تتذكر زكي ناصيف، أم ترى يعتبرون حضورها من الثانويات الهامشية في أجنداتهم، بينما حضروا مأتمه وعزّوا به لأن ذلك في أجندتهم واجب وطني، ولو على عيون ناخبيهم؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*