الحلقة 31: حين تُصبح الإذاعة ضمير الشعب
(الاثنين 29 آذار 2004)
بعد ثلاثين حلقةً من هذا التعليق “نقطة على الْحرف” يفرض عليَّ الواجبُ شكرَ جميعِ الْمستمعين والأصدقاء الذين يتصلون بي، أو بالإذاعة، بعد كل تعليق صباحيّ، يهنّئون أو ينتقدون أو يعلّقون، أو من ألتقيهم في الْمناسبات العامّة فتكونُ لهم ردّةُ الفعلِ نفسُها على هذا التعليق الذي يُجمعون على أنه ينطق باسمهم، أو يفشُّ لهم خلْقهم، أو يعلِن على الْملإ ما يتداولونه هم في مَجالسهم الْخاصة.
إذن أشكرُهُم جميعاً، وأُشجّعهم بل أُحرّضهم على أن يتَّصِلوا ويعرضوا لي أفكارَهم ومشاهداتِهم ومعايناتِهم ومعانياتِهم وكلَّ ما يعتبرونه أهلاً لأن أَتناولَه، باسْمهم، في تعليق يعبّر عن وجعهم وهمومهم، وما يُضمرون أن يوصلوه الى الْمسؤولين عبر ميكروفون الإذاعة التي، في أولويات رسالتها الإعلامية، أن تكون ضمير الشعب.
و”صوت لبنان” التي ترافق الناس منذ ما يزيد عن ربع قرن، تعيش مع الناس حتى أصبحت فعلاً صوت الناس وضمير الشعب، وهو هذا دورُها الإعلامي، فدورُ كلِّ صوتٍ فيها أو قلمٍ أن يكون صدى لصوت ضمير الشعب.
لذلك، حين بدأت “صوت لبنان” بالإعلان عن “نقطة على الْحرف” قبل بداية الشبكة الْجديدة، ظنّ الكثيرون أن هنري زغيب لن يَجِدَ ما يطلع به على الناس صباحاً إلا الشعرَ والكلام على الأدب والأدباء والشعر والشعراء. وقد يكونون على حقِّ في أن الشاعر، عادةً، لا يتحدّث بسوى الشعر. إنّما غاب عنهم أن الشاعر ابنُ شعبه، والإذاعة بنتُ شعبها، والتقاء إذاعة هي ضمير الشعب، وشاعرٍ يعيش مع شعبه ويتحسس همومه، ينجم عنه الدور الأسمى للوسيلة الإعلامية، و الْحضور الأسمى للشاعر الذي إن لم يكن قريباً من الناس، ظل عائشاً في برجٍ عالٍ بعيداً عن هموم شعبه، فلا يقرأه الشعب إلاّ في فترة عاجلةٍ بين انشغالين.
فيا تعس إذاعةٍ تبثُّ على هواها وتشيح عن هموم الناس.
ويا تعس شاعرٍ لا يعيش بين الناس ولا يطلَعُ من قلوب الناس نابضاً بِهموم انشغالاتهم.