حين الشعب يسأل نوّابه عن أولويات وُعُودهم
السبت 23 أيار 2009
– 598 –
في ظاهرةٍ عادية لدى بلدٍ عريقِ الديمقراطية كفرنسا، وفي مرور سنتين على ولاية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، نشرَت مَجلّة “لا تريبون” في عددها الأخير نتيجة استفتاء للرأي العام قامت به مؤسسة “توماس مور” الرصينةُ الوُثقى، قاطفةً استطلاعَ 22 ميداناً للرئيس علاقةٌ بها. وجاءت العلامة النهائية 10،5/20، وهي – كما استنتجَت المجلة- أقلُّ من المتوقَّع لهذا الرئيس الشاب الذي جاء على بَحر من الوعود بإنْجازاتٍ استثنائية. وإذا كانت مرتفعةً علاماتُ ميادينَ أثبَتَ الرئيس نجاحه فيها: مشاريع استثمارية (12،5/20)، النظام الضرائبي والقدرة الشرائية (14/20)، السكَن (13،5/20)، … فهو نال علاماتٍ دون المعدّل في ميادين أخرى: التربية (9/20)، الصحة (9/20)، الثقافة (7/20)، البيئة (9/20)، وجاء أنّ “من نقاط ضعف الرئيس سوء اختياره أولوياتٍ وَعَدَ بتنفيذها في خطابه الرئاسي”.
وأكثر: أتاحت المجلة لقرائها أن يُدلوا بآرائهم في أداء الرئيس، طارحةً سؤال: “بعد سنتين على نيكولا ساركوزي في الحُكْم، ما رأيك بأَدائه وإنجازاته”؟ وخصَّصت صفحاتٍ عدةً لأجوبة القراء نشرتْها كما هي، على حدّة بعضها ومديح البعض الآخر، ما دلَّ أيضاً وأيضاً على حريةٍ في القول والتعبير والتفكير خصيصةِ الدول التي فيها الديمقراطية فعلٌ لا قول، حريةٌ لا “توافُقية”، فاعلةٌ حاسمةٌ لا تنظيرية ولا اصطفافية ولا ببّغاوية ولا أغناميةُ الانتماء الى زعيم أو قائد أو سياسي.
هذه المحاسبة المتواصلة، في البلدان الديمقراطية الحقيقية، “تُعاقِبُ” الحاكم أو “تُكافِئُهُ” على وُعوده، وهي معيار يبقى يومياً في ذهن الحاكم خلال ولايته، لأنّ صوت الشعب يتذكّر وعود الحاكم، ولأنّ “من يقول الحقيقة لا يَحتاج أن يتذكّر”.
وهذه المحاسبة قائمة في حيثما الشعبُ ينتخب الحاكم، وفي نظام غير توتاليتاري ولا قمعي ولا أوتوقراطي. فأين نحن، في لبنان، من هذه المحاسبة؟ وما قيمتُها في هذه الأيام التي يتهيَّأُ فيها اللبنانيون للانتخابات النيابية بعد أسبوعين؟
طالما رئيسُ الجمهورية عندنا لا ينتخبه الشعب بل نوّاب الشعب، ويحكم وفق وثيقةِ وفاق وطني وليدة “الطائف”، وبِما تركه له الدستور من هامش يوسّعه الرئيس بحسب قدرته الوفاقية أو شخصيته القوية، وطالما الوزراء عندنا لا ينتخبهم الشعب كذلك بل يأتون الى الحكم نتيجة تسويات و”كوتا” حزبية وطائفية وفئوية ومَحسوباتية وسياسية مُختلفة ليست دائماً تراعي الرجلَ المناسب للحقيبة المناسبة، يـبقى أنّ الشعب عندنا يحاسب الذين انتخبهم ليكونوا وسائط تشريعات يسنونها لتقدُّم البلاد وتسيير شؤون المواطنين. فهل شعبُنا يُحاسب نوّابه؟ صحيح أن في لبنان، كما في سائر شعوب العالم، من يؤيدون أو يناصرون أو ينتخبون وفق معايير ليست عقلانية ولا نتيجة متابعة الأداء الذي لهذا النائب أو ذاك، ولكن هل هذه قاعدة معيارية؟
كانت “النهار” في الماضي تُصدر ملفات انتخابية تنشر فيها عدد الجلسات التي تكلّم فيها النائب، وعدد الدقائق التي استغرقتْها كلماتُه. ومن طرائف ذلك اكتشافُ نوّابٍ أمضوا في المجلس أربع سنوات ولم يتكلموا مرة واحدة ولا دقيقة واحدة.
فيا حبّذا لو تعود هذه الإحصاءات الى النشر على الرأي العام (المتنوّر منه على الأقل، لا الببّغاوي الأغناميّ الاتباعيّ عميانياً) كي يطّلع المواطنون، خصوصاً عشية هذه الانتخابات النيابية، على حصيلة نائبهم طوال أربع سنوات: كم مرة تكلم في المجلس، وعن أيّ مواضيع تحدّث، وما المشاريع والقرارات التي صوّت عليها حجباً أو موافقةً، حتى يتبيّن للرأي العام مدى صدقيّة نائب منحه الناس أصواتهم وثقتهم فيحاسبوه على مصداقيته وتحقيق وعوده، أو يتبيّنوا أنه كان طوال أربع سنوات مُجرَّد يدٍ آلية ترتفع وفق ما يريده رئيس كتلته النيابية أو رئيس حزبه، وأنه ليس سوى مُجرد حبة مسيَّرة في سبحة زعيم تكتُّله.
نتطلع الى يومٍ (على عمرنا؟!) يصبح معه لبنان ديمقراطياً بالمعنى الواسع للكلمة، فيحاسب الشعب نوابه، على أدائهم لا على تَحالفاتهم، حتى يكونَ الاقتراعُ يومَ الانتخاب مطرقةَ مُحاسبة لا ورقة عمياء.