591: ماذا يصل “الصغار” من مؤتمرات “الكبار”؟

ماذا يصل “الصغار” من مؤتمرات “الكبار”؟
السبت 4 نيسان 2009
– 591 –
اجتمعوا. العشرون “الكبار” اجتمعوا. جمعَتْهم لندن في مركز “أكسيل” للمؤتمرات والمعارض، على كيلومترات ضئيلة من المتحف الجيولوجي (اليوم جزءٌ من متحف التاريخ الطبيعي) حيث اجتمع قبل 76 سنة (12 حزيران 1933) نحو 1000 زعيم حكومي واقتصادي ومالي يصغون الى خطاب جورج الخامس ملك بريطانيا يفتح “المؤتمر الاقتصادي العالمي لإنقاذ العالم من الكساد الكبير”. وبقي الكلام كلاماً وارفضَّ المؤتمر من دون نتيجة بسبب خلافات المجتمعين وتبادل الاتهامات في ما بينهم.
فهل من اجتمعوا هذا الأُسبوع (رؤساء 7 دول صناعية كبرى، و12 دولة نامية، والاتحاد الأُوروبي) خرجوا بـ”فعل” أقوى من “قول” في بيان ختامي؟ هل لامس “الكبار” أوجاع “الصغار” وهمومهم ومشاكلهم؟ وهؤلاء الذين تظاهروا في لندن (نحو 35 ألفاً) وصرخوا في وجه “الكبار”: “ضَعُوا الناس أوَّلاً”، هل من سمع صوتهم أو راعى همومهم الراعبة وصراخاتهم الصاخبة؟ وهل يكفي “الناس أوَّلاً” أن يسمعوا نص بيان ختامي “يعالج” الوضع الاقتصادي العام، و”يدعم” المصارف ومؤسسات مالية كبرى (انكشف معظمها عن عمالقة قش انفرطوا في ساعات) إذا لم يلتفت البيان الختامي الى “الناس أوَّلاً”، الناس الذين باتوا بلا بيوت لأن بيوتهم لم تعد بيوتهم، والذين عادوا الى عائلاتهم مكسوري القلب لأنهم باتوا بلا عمل يقوت عائلاتهم، والذين أرعبهم أن ترفع الأمان عنهم شركات التأمين الصحي بسبب إفلاسها جرَّاء الانهيار الاقتصادي؟
وهذا التباين الذي ظهر، حول الأولويات، بين الكتلة الأوروبية والجبار الأميركي، وطفا (ولو مغلفاً بسيناريو ابتسامات معلَّبة) بين سيّد البيت الأبيض وسيّد الكرملين، هل يُطَمْئنُ بأن “الكبار” في لندن وضعوا حلولاً بديلة “كبيرة” للمشاكل “الصغيرة” كالجوع والفقر والبطالة والصرف من الوظائف والمبيت بلا بيت؟ والى أين يذهب “الصغار” الذين لم يعُد لهم بيت ولا عمل ولا مورد ولا مدرسة ولا جامعة ولا موطئ قدم على أرض وطنهم؟
وهل كان البيان الختامي كافياً شافياً هموم الناس – الناس العاديين قبل المؤسسات المالية والاقتصادية “الكبرى”- لوضع تفاصيل حول آلية إخراجهم من الرعب الى الهمّ الى القلق الى الأمل؟ والخلافات التي جاء بِها “الكبار” الى لندن هل حلُّوها ليحلّوا أزمة قاسية في العالم اقتصادية ومالية انطلقت كارثتُها من أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة؟ وهل من يلوم الناس حين يقابلون “قمم الكبار” بالشكّ وقلة الثقة وضعف الأمل وفقدانهم مصداقية بياناتٍ ختامية مُدَبْلَسَة (أي مصاغة بدبلوماسية مُخملية باردة هادئة) صادرة عن الحشد العشريني المبتسم حول جلالة إليزابيت الثانية في قصر بيكنغهام، وإعلان الأُوباما عن فرحه بلقائها وأنّها “أكثر ما يُحب في بريطانيا”؟
الناس تحتمي بأنظمتها وتلجأُ إليها. ومن اجتمعوا في لندن هم أقطاب أنظمة راقية متطورة، تداعوا ليلاقوا الحلول الجدّية المستدامة الناجعة، سبقهم الى بَحثها مستشاروهم ووزراؤهم لتشخيص العلل واقتراح العلاج، على أمل أن يوحِّدهم اجتماعهم في يومٍ واحد كي يرمّموا ثقة أخذت تضيع، وأن يَخرجوا (ولو تدريجاً) بعلاجٍ لِما يتخبَّط فيه العالم كل يوم؟
هي فرصة “العشرين” أمام الملايين من “الناس أوَّلاً”. الناس “الصغار” الذين ينتظرون حلول “الكبار”.
إن طفلاً مَجهولاً ينام جائعاً في بيت مَجهول من قرية مَجهولة في بلدٍ “اجتمع” رئيسه في لندن مع “الكبار” الذين زلزلتْهُم الأزمة المالية، يبقى صراخ جوعه الصامت سؤالاً على ضمير “الكبار” كي يبادروا الى البدء من تحت، من القاعدة، من “الناس أوَّلاً”، لوضع الحلول “الصغيرة” قبل العناوين “الكبيرة”.
هكذا يكون مُجدياً لقاءُ “الكبار”، ولا يعود طفلٌ ينام جائعاً في بيت جائع من بيوت “الصغار”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*