سِـتُّـون
السبت 6 كانون الأول 2008
– 574 –
هذا الأُسبوع (الثلثاء المقبل) أَبلُغُ الستِّين (9 كانون الأول 1948- 9 كانون الأول 2008).
أَبلُغُها في قناعةٍ وفرح: قناعةِ أنني بَلَغْتُها بِحصادٍ لا أَخجلُ به ولا يَخجل بي، وفرحِ أنني بَلَغْتُها وأنا واعٍ نُضجي، أذوقُه وأَراه وأُراقبُه وأتابعُه في حذرِ الخطأ أو المخاطأة، وهو فرحُ من يعرف، ويعي أنه يعرف. وأنا يغبطُني أنني أعرف. أخطائيَ أعرف، وخطاياي. ووعيي معرفتي يَحرزُني من التكرار، ويُحَصِّنني ضدّ الوقوع من جديد.
وعيُ المعرفة خلاص. لكنّ كُنْهَ الوعي أسبَق الى الالتزام. من هنا فرَحي وقناعتي، وأنا أُكملُ الستّين، أنني أَدخل على عَقْديَ السابع لا بِخِشية العُمر ولا بقلق الغياب، ولا حتّى بتساؤُل “كم من السنواتِ بقيَ لي كي أعيش”، بل أَدخل عَقديَ السابع آتياً إليه من خاتِمته لا من مَطلعه. وهنا أهميةُ حصادٍ لا أَخجل به، ويَعصمُني نُضجي فلا أجعلُ عقديَ السابع يَخجل بي.
هل من ندمٍ وأنا أختُمُ الستّين؟ طبعاً. لعلّ معظمَه على وقتٍ كنتُ أهدرُه على السوى. ولو انني التفتُّ إلَيّ، عوض انصرافي الى السوى، لكان نتاجي، ربّما، أوفرَ جنىً. ولو أحصيتُ ما صرفتُهُ من عمرٍ (أدبِيّ وثقافِيّ) على السوى، لَخَجِلْتُ من هَدْرٍ قَضَمَ خلال عمري ما كانت حصيلتُهُ عُقوقاً أو لامُبالاة. وما صرفتُهُ من عمرٍ (شخصيّ وعاطفيّ) لن أَخونني فأُنكره لأنه كان مقدّمات الى الاستقرار (بعضُ السِّحر في “موناليزا” داڤنتشي تَخطيطاتُه التي سبقت حُلّتها النهائية). المقدمات لها حلاوتُها في العُمر، شرط ألاّ تَطول. وفي عمري طالت: وَسِعَت حولي الصحراء وضاعت مني الأَربعُ الجهات، فاتّخذَ بَحثي الى الوصول هويةَ تَهويمات وأوهامٍ وهذيانات كم خِلْتُها الوصول، وكنتُ كلّ مرة يصفَعُني، قاسياً، واقعُ اللاوُصول.
هذا الأُسبوع أَبلُغُ الستين. ترجَمةُ فرحي بِها: وعْدي سنواتيَ الآتيةَ من عقْديَ السابع أن أكون أنا أكثر، لا أنانياً بالمعنى الفردي بل ذاتياً بالمعنى الأدائي. حان عمرُ أن أخدُمَني فأنصرفَ إلَيَّ قبل انصراف العمر.
إنّها الستُّون! أَبْلُغُها وأُؤَدّي حسابي: ولدٌ وحيدٌ، حفيدان، مَجموعاتٌ منشورة في الشعر والنثر والترجمة تفوق الستّين، مَجموعةُ مقالات حصيلةُ ثُلث قرن تُقارب ثُلث الستينَ مئة، حلقاتٌ إذاعيةٌ وتلڤزيونيةٌ تفوق الستّين والمئة، وقفاتٌ منبرية لا رقم يُحصيها.
هوذا بعضُ حصادي، تعرفُه (وتباركُه) النجمةُ التي شَعَّت سَوسَنةً في ليلي، ذاتَ ليلةٍ غيرِ بعيدة، لتكونَ هدايتي البعيدة على طريق الحياة، وبوصلتي في صحراء العمر.
هذا الأُسبوع أَختُم الستّين.
أيها العمر، بيني وبينكَ عهدٌ: إِحفظْ لي نَجمتي، وبالمقابل خُذ مني، لعقْديَ السابع، غِلالاً لا أنتَ تَخجل بِها، ولا أنا أَهدُرُني دون أناقة الستّين. فامنحْني فرصةَ أن أَفي نَجمتي وفائي بوعْدي إياها وعَهدي لَها: بَذْرُ بيادرَ مقبلةٍ تُباركها هي، قدْرَما تَمنحني أنتَ سنواتٍ مقبلةً أُخصِبُها سنابل.
أيُّـها العمر، هل تسمعني؟