… وعندنا يفسّخون “الولايات” اللبنانية المتحدة
السبت 15 تشرين الثاني 2008
– 571 –
حين هبطت الكارثة المالية الأخيرة على الولايات المتحدة، واستدعى الرئيس الأميركي بوش مستشاريه للتداول في عمليات الإنقاذ السريعة المطلوبة، كان بين من استدعاهم كذلك: المرشحان الجمهوري جون ماك كين والديمقراطي باراك أوباما، ما يدل على أنّ جميع الاعتبارات السياسية والترشيحية والحزبية والاصطفافية تسقط أمام مصلحة الوطن.
وفور إعلان النتائج (ولو غير الرسمية النهائية) سارع الرئيس بوش الى الاتصال بـ”الرئيس المنتخَب” أوباما يهنّئه بالفوز، ويشير الى “الليلة الانتخابية الرائعة”، ما يدل على أنّ جميع الاعتبارات السياسية والترشيحية والحزبية والاصطفافية تسقط أمام مصلحة الوطن.
وعند إعلان فوز الديمقراطي أوباما، ألقى منافسه الجمهوري ماك كين خطبة في مؤيديه جاء فيها: “قال الشعب كلمته. وكان لي شرف الاتصال بالسناتور أوباما وتَهنئته بانتخابه الرئيس المقبل للبلد الذي نحبه كلانا. فوزه يفرض احترامي إياه لقدرته وثباته. وبفوزه انتصر إحياء الأمل في نفوس ملايين أميركيين اعتقدوا خطأً أنهم لا يؤثِّرون في انتخاب الرئيس الأميركي. فلْيفخرْ كلُّ أميركي بعد اليوم بِمواطنيته في أمتنا التي هي الأعظم على وجه الأرض. السيناتور أوباما حقّق أمراً عظيماً له ولبلده. وأنا معجبٌ به، ووعدْتُهُ ببذل كل طاقتي لمساعدته في قيادتنا لتخطّي التحديات التي نواجهها”. وفي كلام ماك كين ما يشير بوضوح ونبل الى أنّ جميع الاعتبارات السياسية والترشيحية والحزبية والاصطفافية تسقط أمام مصلحة الوطن.
ولدى إعلان الفوز، ألقى الرئيس الجديد باراك أوباما خطبة في مناصريه جاء فيها: “هي ذي إشارة التغيير التي صنعها الصغار والكبار، الأغنياء والفقراء، الديمقراطيون والجمهوريون، السود والبيض، ذوو الأصل الأميركي واللاتيني والآسيوي والأميركي الأصلي، والمِثْلِيُّون والعاديون، والمقعدون والأسوياء، جميعهم بعثوا الى العالم برسالةِ أننا لسنا مَجموعة ولايات حُمر وولايات زُرق، بل سنكون دائماً الولايات الأميركية المتحدة… تلقَّيت اتصالاً لطيفاً من السناتور ماك كين الذي ناضل طويلاً في هذه الحملة الانتخابية من أجل البلد الذي يحبه، وهو الذي قدّم تضحيات كثيرةً من أجل أميركا التي باتت في وضع أفضل بفضل خدمات أمثال هذا القائد الشجاع الذي لا يعرف الأنانية”. وفي كلام أوباما ما يشير بوضوح ونبل الى أنّ جميع الاعتبارات السياسية والترشيحية والحزبية والاصطفافية تسقط أمام مصلحة الوطن.
أَسوق هذه الاستشهادات الى ثلاث فئات لبنانية: من يدَّعون الديمقراطية فيما هم أوتوقراطيون وشموليون (الديمقراطية الحقيقيبة هي حكم الأكثرية على الأقلية، مع احترام المعارضة)، من يكرهون أميركا ويعتبرونها مُجحفة في حقهم، ومن لا يعترفون بِهزيمتهم السياسية أمام منافسيهم فينقلبون حردانين يطالبون بإبطال الانتخابات والطعن بالانتخابات وإعادة إجراء الانتخابات لعلّها تعود الى صالحهم، فينقلب المهزومون هازمين والأقليون أكثريين.
يا تعاسة هذا الطرح المسخ، ويا صغارة ادّعاء الديمقراطية، ويا تعتير الوطن بسياسيين شخصانيين طرواديين جعلوا لبنان مزرعة لِمصالحهم وأزلامهم، ويظنّون أنهم يَملكون العالم فيما هم أصغر من أي “مُختار حي” في أية بلدة نائية من وطن شاسع.
الرئيس الأميركي يعتزّ بتماسك “الولايات المتحدة”، وعندنا من يعملون على تفسيخ “الولايات اللبنانية” ولا يريدونها “متحدة” لأنهم عندها يسقطون هلكى وصرعى على طرف الطريق، ويدوسهم خيل الإهمال والنسيان.
لا أسفاً عليهم.