بيروت الحقيقية: بيروت الكتاب
السبت 9 آب 2008
– 559 –
أن تُعلن “الهيئة المصرية العامة للكتاب” اختيار لبنان ضيف الشرف في الدورة الثالثة من “معرض الإسكندرية للكتاب العربي” (قلعة قيتباي، عشرة أيام بدءاً من 31 آب الجاري) فبادرة تتعمّم على جميع الدول العربية التي يعرف أدباؤها ومثقفوها ومؤلفوها جميعاً دور بيروت الكتاب ولبنان الكتاب وصناعة الكتاب الرائدة في بيروت ولبنان.
فشكراً لإدارة المعرض التي برّرت هذا الاختيار لـ”ما يحمل لبنان من تراث وثقافة”، والتي – بين “75 ناشراً من الدول العربية يشاركون في المعرض بأحدث إصدارات العالم العربي” – خصَّصت “جناحاً كاملاً للبنان، ضيف الشرف لهذا العام”.
وشكراً لها على إقامتها، توازياً مع المعرض، أنشطةً ثقافية بينها ندوات حول مصر ولبنان والصحافة العربية والأبعاد الثقافية لنضال المصريين واللبنانيين، لأن روّاد هذه الندوات سيكتشفون (ومن منهم لم يكن يعرف، سوف يعرف) أن لبنان رائدُ الصحافة العربية انطلاقاً من بيروت والقاهرة، وأن معظم أعلام الصحافة اللبنانية الريادية في العالم العربي كانت انطلاقتهم من مصر التي بقيت خارج توتاليتاريا سلطنة عثمانية سيطرت على لبنان وأقلام اللبنانيين طوال عقود جاهلية ظالمة ومظلمة. وما دمنا في مصر، نعرّج على السودان لنكتشف أن رائد الصحافة السودانية هو اللبناني فارس نمر (مؤسس جريدة “السودان”، وشريك يعقوب صروف في “المقتطف”) ولنكتشف في السياق نفسه أنّ أول واضعٍ تاريخَ السودان الكامل هو اللبناني نعوم شقير.
هذا الحدث الكبير في مصر، الآتي تمهيداً لـ”بيروت 2009 عاصمةً عالَمية للكتاب”، تأكيدٌ على دور هذا اللبنان الأُعجوبي الذي – فعلياً لا طوباوياً ولا شوڤينياً – هو تَجسيد حيٌّ حقيقيٌّ عمليٌّ ميدانِيٌّ تاريخيٌّ لـ”طائر الفينيق الذي يَموت لينهض في رماده في اليوم الثالث”، فيما يكون العالم ظنّ أنه مات وأنه لن تكون له قيامة.
بلى: قيامة لبنان غيرُ جميع القيامات. إنها قيامة شعب تليق له الحياة، ويليق به النضال، ويستحقُّ الريادة في أيِّ حقل من ميادين الإبداع والشرف والبطولات. وليعذرني المشكّكون في هذا الكلام، والمتشائمون بسبب الوضع الحالي، وشتّامون لا يعجبهم العجب، فإنهم – هم والحالات التي يسكنونها أو تسكنهم – زبدٌ عارض مهما طال، وزائل مهما أزبد.
عاصمةُ لبنان الحقيقية هي بيروت الكتاب والإبداع الراقي الرائد السبّاق النموذج المثال: موسيقىً ومسرحاً وشعراً ورسماً ونَحتاً وأدباً و… نشراً وكتاباً هو مرآة تنعكس فيها طموحات كل مؤلف وناشر وقارئ. هذه البيروت هي بيروتُنا نحن، أهل الكلمة والكتابة، بيروت التي بين مئات المدن العالمية فازت بـ”أفضل برنامج لمدينةٍ تعمل على تنمية الكتاب والقراءة”، تلبيةً لشروط الأونسكو منذ إطْلاقها (في 23 نيسان 1996) تظاهرة “يوم الكتاب العالمي وحقوق المؤلف”. بيروت التي تنافست مع كبرى المدن العالمية لتكون هي “عاصمة عالمية للكتاب سنة 2009” تاليةً مدريد (2001) والإسكندرية (2002) ونيودلهي (2003) وأنڤير (2004) ومونريال (2005) وتورينو (2006) وبوغوتا (2007) وأمستردام (2008). بيروت التي اختارتْها لهذا الشرف لجنة دولية من منظمة الأونسكو، ومن مُمثلي الاتحاد الدولي للناشرين، واتحاد النقابات الدولية لأصحاب المكتبات، واتحاد النقابات الدولية لجمعيات أمناء المكتبات. هذه هي بيروت الحقيقية: بيروت الكتاب اللبناني والإبداع اللبناني.
هذه هي بيروتُنا نحن، التي تشبهنا ونعمل كي نبلغ شرف أن نشبهها، بيروت التي تغتالها السياسة ويُحييها الإبداع، بيروت التي يُميتُها سياسيوها ويقيمُها من الموت مبدعوها (لا سياسيوها) عاصمةً عاصيةً على الموت، فيسجِّلون حضور لبنان في ذاكرة التاريخ التي تحفظ مآثر الإبداع وتنسى سريعاً جميع آثار “بيت بو سياسة”.