… واجعلْهُ يتوب يا “بونا يعقوب”
السبت 21 حزيران 2008
– 552 –
يَحتال على القانون، ويدّعي الحفاظ على القانون. يكذب على الناس، ويدّعي الصدق في العمل لِمصلحة الناس. يعمّر مصلحته الخاصة (ومنها مصالح أولاده وعشيرته وقبيلته ومزرعته وأزلامه ومَحاسيبه) ويدّعي أنه يتفانى في خدمة الناس وفي السعي إلى تأمين مصالح المواطنين الكرام. يَجعل الدولة في خدمته عوض أن يكون هو في خدمة الدولة. يوهم الناس أنه يعمل لِمستقبل الأجيال المقبلة فيما هو يعمل لِمستقبله في الانتخابات المقبلة. فكيف لِهذا المسخ أن يدخل معك ملكوت الرب ويتوب، يا “بونا يعقوب”؟
لبنان الذي أحببتَه بإخلاص وعملتَ له بإخلاص وقمتَ بِما قمتَ فيه من منشآتٍ إنسانية وتربوية وروحانية، وقاسيتَ خلال حياتكَ المكثَّفة من الأهوال ومن أخطارك في أَسفارك، باتَ اليوم بين أشداق طقم سياسي ما زال، منذ أكثر من نصف قرن، ينحَر فيه وينخُر فيه وينثُر منه زبدة خيراته ويهجّر زبدة أدمغته، حتى أمسى مصاباً بترقُّق العظم وفقر الدم والنقص في المناعة، عرضةً لِجميع أنواع الجراثيم تنقضُّ عليه وتَعمل فيه نَخراً ونَحراً، فيصرخ ويستغيث ويطرح الصوت على الدول، على المخلصين من أشقائه الأقربين وأصدقائه الأبعدين، طالباً مساعدتَهم على تَجاوز مِحنته الاقتصادية (ويسميهم، تَخفيفاً، “الدول المانِحة”) أو على مصالَحة أبنائه من “بيت بو سياسة”، الحردانين الشخصانيين الموتورين. وكل هذا الخراب، لا بسبب الشعب، بل بسبب ذاك الطقم السياسي الذي (موالياً أو معارضاً) يَحكم لبنان ويتحكَّم به منذ ما يزيد عن نصف قرن. فكيف لِهذا الطقم أن يتوب، يا “بونا يعقوب”؟
وها أنت غداً (الأحد 22 حزيران 2008) يطوّبك الفاتيكان على طريق القداسة، لا في روما (عاصمة النور النوراني) بل على أرض وطنك، في قلب بيروته الحبيبة الغالية. هذا اللبنان الذي كم أحببتَهُ وبذلتَ له عمركَ من أجل رفاه إنسانه ومؤاساة إنسانه وتربية إنسانه، يَحتفل بتكريمك طوباوياً، فيشعّ وجهك الرّضيُّ على جباله وساحله، وعلى تلال منه اخترتَ أجملها لتقيم عليها منشآتك الإنسانية، فترتفع هنا شَعّةُ الصليب، وهناك هَيبةُ المسيح الملك، وهنالك قببٌ تدعو المؤمنين إلى الصلاة. فما أعظمَه هذا اللبنانك، يا بونا يعقوب، وما أصغر من يسوسونه إلى مصالِحهم مُشيحين عن شعبه الذي لَم يعد له سوى تقواك طريقاً إلى مصالحه. فكيف لذاك الطقم السياسي أن يتوب، يا “بونا يعقوب”؟
من شربل إلى الحرديني إلى رفقا، واليوم إليك، يُشرق لبنانك “مساحة روحية” (كما سماه “أبو الحن” فؤاد حداد)، فيمتدُّ إشعاعه الروحي على كل العالم واحةً نورانية روحانية هي بيت مسلمين ومسيحيين ودروز، تَجمعهم أُخُوَّةٌ لوالد واحد هو لبنان اللبناني، ويصلّون لإله واحد لا إله هو، ولا يَختلفون إلاّ حين يشاؤُهم يَختلفونَ طقمٌ سياسي فاسد يُحرقهم ليشعل سيجارة أنانيته وشخصانيته وجنونه بعظمته الدونكيشوتية الكاريكاتورية.
الفاتيكان طوّبك طوباوياً على طريق القداسة، والسياسيون طوّبَهم أزلامهم القطعانيون زعماء يتحكمون برقاب الناس.
لبناننا هو البلد العَذوب، ولبنانُهم هو البلد الكَذوب، يا “بونا يعقوب”، بلدُ طقمٍ سياسيّ فيه يوضاسيون كثيرون وبطرسيون كثيرون يتقاسَمون قميصه قبل العشاء السري. ولكنّ في لبنان تينات يابسة كثيرة تنتظرهم.
فلتكن طوباويَّتُك فضيحةَ هذا الطقم السياسي الكَذوب، واجعلْهُ عند جذع التينة اليابسة يتوب، يا “بونا يعقوب”.