يا شبابَ لبنان: لا تكونوا قطعانهم
السبت 26 كانون الثاني 2008
– 531 –
الى أحبابنا شباب لبنان (شُبّاناً وصبايا) أولادِنا الذين يَتيهون بين مصيرٍ مَجهول وقلقٍ غامض وقرفٍ متزايد وتطلُّعاتٍ الى “الهجرة من هذا البلد”، والى أبنائنا شباب لبنان (شُبّاناً وصبايا) أحبابنا الذين غسَل السياسيون دماغهم فجعلوهم أتباعاً لَهم وأزلاماً ومَحاسيب فباتوا غريزياً مسعورين تَهييصيين تعييشيين ينقادون، عميانياً بكبسة زرّ، الى تظاهرات ومظاهرات وإضرابات واعتصامات ونزول الى الشارع حاقدين مشحونين مَحقونين بَبّغاوياً بشعارات أسيادهم السياسيين، أسُوق تكراراً الكلام التالي:
أثناء تدريسي في جامعة تاون (واشنطن) كنتُ يوماً في حلقةٍ ضمَّت صديقَين ينتمي كلٌّ منهما الى حزب. سألتُ أحدَهُما إن كانا يَختلفان أحياناً على أمرٍ سياسي، فاستغرب السؤال وأجاب: “أبداً. أنا ديمقراطي وصديقي جمهوري. لا نتناقش في الأمر ولا نتحرّك سياسياً إلاّ نَهار الانتخاب حين نذهب الى الاقتراع، فيقترع كلٌّ منا لِمرشح حزبه وينتهي الأمر”.
أَذكر هذه الحادثة فيما تتصاعدُ هذه الأيام موجةُ تَهديد سياسيين بالشارع ليقابلهم تَهديد سياسيين آخرين بشارع مقابل، وينقسم المواطنون في حلَقاتِهم: يتشاجرون في ما بينهم، يصطفّون وراء سياسييهم، “يَتَدايَكُون” ضدّ بعضهم البعض، يَختصم الأخ مع أخيه، والصديقُ مع صديقه، وفريقٌ مع فريق آخر، ويغدو الناس مسعورين يتناهشون على صورة قادتِهم السياسيين الذين يتناهشون في ما بينهم وينهشون الوطن وشعبَ الوطن ومصير الوطن، كأنّ اللبنانيين بين أيديهم قطعانٌ يسوقونُها الى هنا أو هناك أو هنالك فتنصاع القطعانُ وتنقادُ وراءهم الى الشارع، الى المصير المجهول، الى المسلخ الانتحاري.
يا شباب لبنان (شباناً وصبايا): لا تكونوا قطعاناً عمياء وراء سياسييكم وانفعالاتِهم ونِكاياتِهم وكَيدِياتِهم. أنتم القاعدة التي لا تقوم بدونها زعامة سياسية. لا تكونوا حبوباً في سُبحاتِهم يطقطقون بكم ويهدِّدون. لا تكونوا حطباً في مواقدهم يُحرقونكم ويهدِّدون. لا تكونوا أعداداً في حساباتِهم يأمرونكم فتنصاعون وبكم يهدِّدون. الشارع شارعُكُم أنتم لا شارعُهم. البيوت التي ستحترق هي بيوتُكم أنتم لا بيوتُهم. الممتلكات التي ستخرب هي مُمتلكاتُكم أنتم ومُمتلكات أهلكم لا مُمتلكاتُهم. الوضع المعيشي يهدّدكم أنتم ولا يهدّدُهم، هم الذين يُعرّضون للخطر وضعَكم أنتم المعيشيّ لأن وضعهم المعيشي لن يَهتَزّ.
يا شباب لبنان: لا تكونوا ردَّ فعلٍ لفعلٍ لم تأتوه أنتم بل يأتونه باسمكم، ويهدّدون بالشارع لأنَّهم يتّكلون على انصياعكم الأعمى وراءَهُم، كأنكم قطعان بقر أو غنم أو ماعز أو أسراب فئران، فتحترقون أنتم فيما هم يَنجُون من الحريق.
كونوا أنتم الفعل لا ردّة الفعل. قولوا “لا” لِحريقٍ يهدّدكم أنتم ولا يهدّد مُشْعلي الحريق. الشارع مُلْكُكُم أنتم فلا تُحرقوه وتَحترقوا به وفيه وعليه. كونوا أنتم القرار والصوت، فلا تَقْبَلوا ببغاوياً عميانياً أن تكونوا أدواتٍ روبوتيّة لتنفيذ قرارِ سياسييكم، ولا ترضَوا أن تكونوا بلا صوتٍ وإنما صدىً أبله أعمى لصوت سياسييكم تعيّشونهم “بالروح بالدم نفديك يا…”، لأنهم لا يستاهلون نقطة دم واحدة بريئة من دمائكم الطاهرة.
لبنان أنتم، لا هُم. أنتم المستقبل الآتي الموعود، هم الماضي المنصرم الموؤود، ولن يَحْمُوا مستقبلكم ولا حتى حاضركم، ففي ساعة الصّفر يَتركونكم ويغادرون، وتبقون أنتم تنتحرون في نارِ أتونٍ متوحِّش يَهربون هم من حريقه ويتركونكم أنتم تَحترقون في ناره تظلّ تقضمكم حتى تَموتوا في الحريق وتصبحوا رماداً على أرض وطنٍ شارَكْتُم أنتم بتحويلِ أرضه الى رماد.
يا أحبابنا شباب لبنان: أُخرُجوا من قُطعانيّة العشائر، أُخرُجوا من أَغناميّة المزارع، أُخرُجوا من عميانية الانصياع التوتاليتاري الشعبي الذي جعلوا به لبنان من العالم الثالث والثلاثين.