526: يا سفارتنا في واشنطن: أنقذيه فوراً

يا سفارتنا في واشنطن: أنقذيه فوراً
السبت 15 كانون الأول 2007
– 526 –
كان ذلك في 9 كانون الأول 1999 يوم زرتُها برفقة سلمى الحفار الكزبري وفريد سلمان، وصعقني يومها المشهد: يباس في أرضها، مياهها آسنة، يغطي مقاعدَها ورقُ الشجر اليابس، خرابٌ ويبابٌ جنائزيّ. يومها كتبتُ لـ”النهار” مقالاً موجَعاً موجِعاً بعنوان: “حديقة جبران في واشنطن مهجورة لليباس والغربان: ماذا تفعل سفارة لبنان في واشنطن لإنقاذها”؟.
وأول من أمس، قبل أن أغادر واشنطن (بعد مشاركتي في مؤتمر “الحفاظ على التراث العربي الأميركي” في جامعة ميريلند، بدعوة من “مؤسسة التاريخ العربية الأميركية”، ومُحاضرتي فيه: “الحفاظ على التراث اللبناني: تَجربة مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأميركية”)، عدتُ من جديد أزور حديقة جبران (3000- جادة ماساشوستس، في قلب واشنطن، بين مركز واشنطن الإسلامي والسفارة البريطانية وبيت نائب الرئيس الأميركي) فصعقَني المشهد مُجدداً: ها ثماني سنواتٍ مرّت على زيارتي السابقة، ولا تزال حديقة جبران كما رأيتُها سنة 1999: مهجورة لليباس والغربان.
والذي غصَّص قلبي أكثر، عودتي بالذاكرة الى ذاك اليوم المشرق العظيم (الجمعة 24 أيار 1991) حين وقف الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) يدشِّن الحديقة ويلقي على مدخلها خطاباً عن “ذاك الرجل من لبنان”، موجِزاً فيه مسيرةً شيّقة شكّلها لبنانيون مباركون لبلوغ ذاك النهار اللبناني العظيم في واشنطن: ولادة مؤسسة جبران الوطنية (7/1/1983)، موافقة الكونغرس (جلسته برئاسة الرئيس ريغان، في 19/10/1984) على القرار 537/98 (“منح مؤسسة جبران قطعة أرض من 8000 متر مربَّع في أرض الدولة على جادة ماساشوستس لبناء حديقة باسمه فيها”)، تدشين الأرض وبداية العمل في الحديقة باحتفال رسمي (الثلثاء 17/10/1989) ترأَّسه وزير الداخلية يومها مانويل لوجان فغرَسَ ثلاث شجرات أرز (واحدتُها من تسعة أمتار، جيء بها خصيصاً من غابة الأرز في بشري)، وصولاً الى النهار الرئاسي بتدشين الحديقة (الجمعة 24/5/1991).
فإذا كانت مؤسسة جبران الوطنية (أميركية الأعضاء في معظمها) قامت بهذا الجهد الجبار لإيصال الحديقة الى يوم التدشين، وإذا كانت سفارة لبنان في واشنطن لم تَحْظَ، منذ ذاك العام، بِمن يتولى تكملة هذه الرسالة العظيمة (على الأقل تأمين صيانة الحديقة دورياً)، فعلى رأس السفارة اللبنانية اليوم الصديق أنطوان شديد الذي نعرف عنه، لا أنه دبلوماسي ناجح وحسب، وأنه دقيق مهنياً وتقنياً وحسب، بل أنه لبناني الانتماء الى تراث لبنان الإبداعي (كما قالها لي يوم التقيتُه خلال عشاء القنصلية اللبنانية العامة في نيويورك – تشرين الأول 2004) وكان يومها لا يزال القنصل العام للبنان في لوس أنْجلس.
إن حديقة جبران في واشنطن واجهةٌ حقيقية للبنان الحقيقي. وفيما لبنان اليوم يتخبَّط دراماتيكياً بين طرواديين في السياسة اللبنانية أنانيين شخصانيين كيديين متوترين موتورين وصوليين “فروماجيين” (لا تَهمُّهم إلاّ حصَّتهم من قالب الجبنة قبل أن يصل قالب الجبنة)، وتالياً يتساءل العالم كله عن أسباب التعقيد والتفسُّخ والعراقيل (طالما الجميع اتفقوا على الرئيس)، يعرف العالم أن جبران يَجمع اللبنانيين (المخْلصين طبعاً لا اليوضاسيين البائعين ضمائرهم) وتالياً صورتُه هنا في أميركا، وفي كل العالم، باقية مشرقةً على الزمان متجاوزة صغار سياسيين يظنون أنهم بِمواقفهم يغيّرون في تاريخ لبنان والعالم.
فيا صديقنا السفير في واشنطن أنطوان شديد: نعرف أنك منهمكٌ بالسياسة مع المراجع الأميركية هنا، لكنك، بما نعرف عن ثقة الجالية بك، قادرٌ على حث الجالية لتأمين صيانة حديقة جبران. وهذا، في سجلّك الدبلوماسي، أهمّ من أي ملفٍ تتابعه مع الأميركان هنا عن جماعة “بيت بو سياسة” في لبنان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*