الجمعة 6 نيسان 2007
– 492 –
يصلبونك كلّ يوم بكل وحشية، ويقفون كل يوم، بكل وقاحة، يرددون بصوت عالٍ: “كلّنا للوطن”.
يقتسمون ثيابك كل يوم، بكل صلافة، ويدورون كل يوم، بكل عهر وصلافة، على دول العالم حاملين قطعاً من ثيابك يشحذون عليها حتى جعلونا بلداً شحاذاً على أبواب الدول.
يطعنونك كلّ يوم بِحرابٍ مسمومة من كلامهم وتصاريحهم وأحاديثهم وبياناتهم وحواراتهم المدسوسة المأجورة في برامج الـ”توك شو”، ثم يروحون من متراسهم إلى المتراس المقابل يتبادلون التُّهم حول المسؤول عن دمك الذي ينْزف.
يسقونك كل يوم إسفنجة الخل، بكل قسوة بلا رحمة، ويستغربون أن يتحدث شعبك عن مرارة في الأفواه والضمائر والقناعات، ويبحثون هم مع شعبك عمن قد يكون سقاك الخل، ثم يجدون الحل في اتهام “راجح” الذي جسمه “لبّيس”.
يغرزون المسامير الظلفة في يديك وقدميك، وينهالون عليها بالمطارق الظلفة الضخمة كي يتأكدوا من انغراز المسامير في يديك وقدميك، ثم يتساءلون في عهر الوقحين المحترفين لماذا ينْزف الدم من يديك وقدميك.
يشرّدون شعبك خارج بيوته وقراه ومدنه وأرضه وخارج حدودك إلى بلدان العالم، ولا يشعرون بقلبك يفرغ من نبضاته، وشرايينك من دمها، لأن أزلامهم ومحاسيبهم ما زالوا يحملون لهم الكراسي ويرفعون الأصوات بالتهييص لهم “بالروح بالدم نفديك يا…”، فيعتقدون أن شعبك ما زال بألف خير.
يضعون على رأسك إكليل الشوك كل يوم، ثم يزيدون تصاريحهم حول الجهد الذي (وما أكذبهم!!) يبذلونه في سبيل ورودك ورفاه شعبك وعملهم في الحفاظ على حقول الليمون والزيتون.
ينادون باسمك حريصين عليك، فيما هم ينكرونك آلاف المرات قبل صياح الضمير، ويبيعونك كل يوم بثلاثين مرة ثلاثين فضية لأيّ من يخشخش لهم بها، فينقلونك من يد إلى يد، ويسلمونك من زبانية إلى زبانية، ويقبضون على رأسك من كل من يعرض عليهم أن يبيعوك، فيبيعونك في سوق الخيانة والنخاسة مفتوحي الأعين وقحي التصاريح الوطنية.
يجرونك كل يوم إلى بستان الزيتون، فتسير معهم مؤمناً بأنهم أولادك الحريصون عليك، وأنت عارف ومدرك وواعٍ تماماً أن بينهم يوضاسيين وأحفاد يوضاسيين وعبيد يوضاسيين.
وطني، يا أيها المصلوب في يوم القيامة: يصلبونك اليوم في هذا اليوم الحزين، يوم الجمعة العظيمة، وأنت ترفع رأسك إلى أبيك ضارعاً: “أغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون”؟؟؟
لا. أبداً. مش وقتها اليوم. كفاك أن تكون غفوراً رحيماً تدير لهم خدّك الأيسر حين يضربونك على الأيمن. هذه المرة المطلوب عكس ذلك. المطلوب اليوم ليس غفرانك بل كرباجك. كرباجك الذي حملته بكل غضب ثائر ودخلت عليهم في الهيكل تجاراً وفرّيسيين، ورحت تنهال عليهم به تطردهم من الهيكل بلا رحمة.
هذا هو المطلوب اليوم: لا تنتظر اليوم الثالث. شعبك لم يعد يحتمل أن ينتظر اليوم الثالث كي تدحرج الحجر.
المطلوب اليوم أن تجترح أعجوبة ثانية على أرضك كما اجترحت الأُولى على أرضك في قانا بتحويلك الماء خمراً.
المطلوب بأعجوبتك اليوم أن تنْزل فوراً عن الصليب، وتنهال بكرباجك من جديد على الكتبة والفريسيين واليوضاسيين الذين (وما أكثرهم في شعبك) يقودون شعبك إلى الجلجلة اليومية من قهر العذاب اليومي.
أجلدهم بلا رحمة. تعرفهم أنت ويعرفون أنك تعرفهم، وشعبك يعرفهم تماماً وسيجلدهم معك. فارفع رأسك واستأذن أباك وقل له: “هذه المرة لن أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم يعرفون تماماً ماذا يفعلون”.